.



الصفحات

الزيارات:
الحُبُّ لله والحب في الله

بسم الله الرحمن الرحيم. ﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾. اللهم اغفر لنا ذنوبنا وظلمنا وهزلنا وجدنا وعمدنا، كل ذلك عندنا.
الحُبُّ لله والحب في الله، رزق يرْزقه الله من يشاء، لا يفيد في ذلك تفعل العبد إلا أن يدعوَ ربه. عن عبد الله بن يزيد الخطيمي الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه: "اللهم ارزقني حبك، وحب من ينفعني حبه عندك. اللهم ما رزقتني مما أحبُّ فاجعله قوة لي فيما تحب. وما زَوَيْتَ عني مما أحِبُّ فاجعله فراغا لي فيما تُحب". رواه الترمذي وحسنه.
وأعظم الرزق بعد حب الله حب رسول الله صلى الله عليه وسلم. حبه الشريف مقام يرفع الله إليه العبد المختار. وهو حب عميق في قلوب الرجال يستفيض منه العامة هذه المحبة للجناب النبوي التي يعبرون عنها بالمحافل والمواليد، وهي مناسبات خير لا شك ما تُجُنِّبَتِ البدع.
حبه الشريف صلى الله عليه وسلم علامة على صدق المريد وجه الله في طلبه، وعَلَمٌ من أعلام النصر على طريق السلوك إلى الله. قال ابن القيم رحمه الله: "فإذا صدق في ذلك (أي في جمع إرادته على الله) رُزِق محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستولت روحانيته على قلبه، فجعله إمامه ومعلمه، وأستاذه وشيخه وقُدوته، كما جعله الله نبيَّه ورسوله وهاديا إليه. فيطالع سيرته ومبَادئ أمره، وكيفية نزول الوحي عليه، ويعرف صفاتِه وأخلاقَه في حركاته وسكونه، ويقظته ومنامه، وعبادته ومعاشرته لأهله وأصحابه، حتى يصير كأنه معه، من بعض أصحابه. "1 قلت: والشغف بسيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم وبتفاصيل حياته لازمة من لوازم اتباعه في جليل الأمر وهينه، أصدق علامات أهل الله شغفهم بتقليد المحبوب في سنته الكاملة.
ألقى الله عز وجل في قلوب العارفين والمؤمنين حبه كما يلقي على أحبابه، خصه من ذلك بالنصيب الأوفر. زاده الله تعظيما وشرفا. قال الله لموسى عليه السلام يَمُن عليه: ﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي﴾.2 ويُلقي الله من هذه المحبة على من يشاء من عباده ممن هم دون مقام النبوة. روى الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة (واللفظ هنا لمسلم فروايته أكمل) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله إذا أحب عبداً دعا جبريل فقال: إني أحب فلانا فأحبه. قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء. ثم يوضع له القَبول في الأرض. وإذا أبْغض عبدا دعا جبريل عليه السلام، فيقول: إنِّي أبغض فلانا فأبغضه. قال: فيُبغضه جبريل. ثم ينادي في أهل السماء إن الله يُبغض فلانا فأبغضوه. ثم توضع له البغضاء في الأرض".
يا غافل! ونفسيَ الأمارةَ بالسوء أعني، إن منادي السماء يهتف باسمك! فأي فلانين أنت؟ وما اسمك في الملكوت؟ وبِمَ تَنَزَّل الأمر في حقك؟ أيسوغ لك طعام وشراب قبل أن تعرف؟ أتحلو الدنيا في عينك قبل أن تستشف ما وراء الحجب بالاستماع والتسمُّع والذكر والابتهال والتضرع والتقرب حتى تأتيك البشرى؟ اللهم ارزقنا محبتك ومحبة أحبابك ومحبة محابك حتى يقع حبنا في مواضع حبك.
الجنة ممنوعة علينا ما لم نتحابَّ في الله، وهو تحاب يلقيه الله على هذه الأمة المرحومة، على المؤمنين المتقين، يتذوقونه وتحلو الحياة به وهي مرة. "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد! إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" كما روى ذلك الشيخان عن النعمان بن بشير مرفوعا. وروى مسلم وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تومنوا، ولا تومنوا حتى تحابوا. أوَلاَ أدلكم على شيء إن فعلتموه تحابَبْتم؟ أفشوا السلام بينكم". إفشاء السلام سبب ظاهر إذا اقترن بالأسباب الأخرى فاجتمعت القلوب على طاعة الله، والوفاء بالعهود، والتحزب لله، ونصرة دين الله، واتباع سنة رسول الله حصل المقصود، فتراص الصف كالبنيان، واستقرت أعضاء الجسد الواحد، وتضامنت وتعاونت. فثبت خير الدنيا بحياة الإيمان الجماعي وثبت خير الآخرة بإيمان التحاب في الله. وهنا نضع الأصبع على مفصل، بل موصل، من أهم مواصل بناء الجماعة، بل هو أهمها إطلاقا: ألا وهو التواصل القلبي. الصحبة في الله المؤدية إلى جماعة في الله هي مبدأ الحركة ووسطها ومعادُها. وكل ذلك رزق يُلقيه الله عز وجل على المرحومين، له علائم ظاهرة، وأسباب مشروعة، وحكمة ورحمة يضعها الله في قلوب العباد.
ومن رُزق في الدنيا من المؤمنين تحابا خاصا عميقا كان له في الآخرة مكانة خاصة. يقول الله تعالى يوم القيامة: "أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظِلُّهم تحت ظلِّي يوم لا ظل إلا ظلِّي". أخرجه مسلم ومالك في الموطإ عن أبي هريرة مرفوعا. ومن أحب قوما حشر معهم. فانظر يا غافل من يسكن في فؤادك حبّه. روى الشيخان وغيرهما عن أنس أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة فقال: "متى الساعة؟ قال: "وما أعددت لها؟" قال: لاشيء، إلا أني أحب الله ورسوله. قال: "أنت مع من أحببت". قال أنس: فما فرحنا بشيء فرَحَنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنت مع من أحببت". قال أنس: فأنا أحب النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر، وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم، وإن لم أعمل أعمالهم".
ونحن يا مُولِي النعَمِ ومُفيض الكرم نحمدك على حبنا إياهم ونَفْرح، زدنا حبا لك ولرسولك ولأبي بكر وعمر وعثمان وعلي، واهد إخواننا الشيعة لتوسيع ما ضيقوه على أنفسهم حِرمانا وتعنُّتا.
يا غافل! هذا عمرك يتصرَّم! فماذا أسست من صداقات، وماذا بنيت لآخرتك من معارف، وما شَغَفَ قلبك من أحباب؟ أنت مع أولئك يوم القيامة، وأنت من ذلك الصنف أيا كان. "فالأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف" كما روى مسلم وأبو داود عن أبي هريرة مرفوعا.


شارك الموضوع

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق