.



الصفحات

الزيارات:
قصيدة في ذكر الحج



قصيدة ابن الصنعاني المشهورة

في ذكر الحج وبركاته 

أيا عذبات البان من أيمـن الحمـى *** رعى الله عيشا في ربـاك قطعنـاه
سرقناه من شرخ الشباب وروْقـه *** فلما سرقنا الصفو منـه سُرقنـاه
وجاءت جيوش البين يقدمها القضا ***فبـدد شمـلا بالحجـاز نظمـنـاه
حرام بـذي الدنيـا دوام اجتماعنـا *** فكم صرمت للشمل حبـلاً وصلنـاه
فيا أين أيام تولـت علـى الحمـى *** وليل مع العشـاق فيـه سهرنـاه
ونحن لجيـران المحصـب جيـرة *** نوفي لهم حسـن الـوداد ونرعـاه
ونخلو بمن نهوى إذا رقـد الـورى *** ويجلو علينـا مـن نحـب محيـاه
فقـرب ولا بعـد وشمـل مجمـع *** وكأس وصـال بيننـا قـد أدرنـاه
فهاتيـك أيـام الحيـاة وغيـرهـا *** ممات فياليت النـوى مـا شهدنـاه
فيا ما أمر البين ما أقتـل الهـوى *** أما يا الهوى إن الهنا قـد سلبنـاه
فـو الله لـم يبـق الفـراق لـذاذة *** فلو مـن سبيـل للفـراق فرقنـاه
فأحبابنا بالشوق بالحـب بالجـوى *** لحرمة عقـد عندنـا مـا حللنـاه
لحـق هوانـا فيـكـم وودادنــا *** لميثاق عهد صـادق مـا نقضنـاه
أعيـدوا لنـا أعيادنـا بربوعكـم *** ووقت سرور في حماكـم قضينـاه
فما العيش إلا ما قضينا على الحمى *** فداك الذي من عمرنا قـد عددنـاه
فياليت عنا أغمض البيـن طرفـه *** ويا ليـت وقتـا للفـراق فقدنـاه
وترجع أيام المحصـب مـن منـى *** ويبـدو ثـراه للعيـون حصـبـاه
وتسرح فيه العيـس بيـن ثمامـة *** وتستنشق الأوراح نشـر خزامـاه
ونشكو إلى أحبابنـا طـول شوقنـا *** إليهـم ومـاذا بالفـراق لقيـنـاه
فلا كانـت الدنيـا إذا لـم يعاينـوا *** هم القصد في أولى المشوق وأخراه
عليكم سلام الله يا ساكني الحمـى *** بكم طاب رياه بكـم طـاب سكنـاه
وربكـم لـولاكـم مــا نــوده *** ولا القلب من شـوق إليـه أذبنـاه
أسكان وادي المنحنـى زاد وجدنـا *** بمغنى حماكم ذاك مغنـى شغفنـاه
نحنّ إلـى تلـك الربـوع تشوقـاً *** ففيها لنـا عهـد وعقـد عقدنـاه
ورب يرانا مـا سلونـا ربوعكـم *** وما كان من ربع سـواه سلونـاه
فيا هل إلى ربع الأعاريـب عـودة *** فـذاك وحـق الله ربـع حببـنـاه
قضينا مع الأحبـاب فيـه مآربـا *** إلى الحشر لا تنسى سقى الله مرعاه
فشدوا مطايانا إلـى الربـع ثانيـا *** فإن الهوى عن ربعكم مـا ثنينـاه
ذكر البيت والطواف 





ففـي ربعهـم لله بيـت مـبـارك *** إليه قلوب الخلـق تهـوى وتهـواه

يطوف بـه الجانـي فيغفـر ذنبـه *** ويسقـط عنـه جرمـه وخطايـاه

فكـم لـذة كـم فرحـة لطـوافـه *** فلله مـا أحلـى الطـواف وأهنـاه

نطوف كأنا فـي الجنـان نطوفهـا *** ولا هـم لا غـم فــذاك نفيـنـاه

فواشوقنـا نحـو الطـواف وطيبـه *** فذلـك شـوق لا يعـبـر معـنـاه

فمن لم يذقه لـم يـذق قـط لـذة *** فذقه تذق يا صاح مـا قـد أذقنـاه

فوالله ما ننسـى الحمـى فقلوبنـا *** هناك تركناهـا فيـا كيـف ننسـاه

ترى رجعـة هـل عـودة لطوافنـا *** وذاك الحمى قبـل المنيـة نغشـاه

ووالله ما ننسـى زمـان مسيرنـا *** إليه وكل الركـب قـد لـذ مسـراه

وقـد نسيـت أولادنـا ونسـاؤنـا *** وأموالنـا فالقلـب عنهـم شغلنـاه

تراءت لنا أعلام وصل على اللـوى *** فمن أجلها فالقلـب عنهـم لوينـاه

جعلنا إله العـرش نصـب عيوننـا *** ومَنْ دونه خلـف الظهـور نبذنـاه

وسرنا نشـق البيـد للبلـد الـذي *** بجهـد وشـق للنفـوس بلغـنـاه

رجالاً وركبانا علـى كـل ضامـر *** ومن كـل ذي فـج عميـق أتينـاه

نخوض إليه البر والبحـر والدجـى *** ولا قاطـع إلا وعـنـه قطعـنـاه

ونطوي الفلا من شدة الشوق للقـا *** فتمسي الفلا تحكي سجـلاً قطعنـاه

ولا صدنا عن قصدنـا فقـد أهلنـا *** ولا هجـر جـار أو حبيـب ألفنـاه

وأموالـنـا مبـذولـة ونفوسـنـا *** ولم نبق شيئاً منهمـا مـا بذلنـاه

عرفنا الذي نبغـي ونطلـب فضلـه *** فهـان علينـا كـل شـيء بذلنـاه

فمن عرف المطلوب هانـت شدائـد *** عليه ويهوى كـل مـا فيـه يلقـاه

فيا لو ترانـا كنـت تنظـر عصبـة *** حيارى سكـارى نحـو مكـة وُلاه

فلله كـم ليـل قطعنـاه بالسـرى *** وبـر بسيـر اليعمـلات بريـنـاه

وكم من طريق مفزع فـي مسيرنـا *** سلكنـا وواد بالمخـاوف جـزنـاه

ولو قيـل إن النـار دون مزاركـم *** دفعنـا إليهـا والعـذول دفعـنـاه

فمولى الموالي للزيـارة قـد دعـا *** أنقعـد عنهـا والمـزور هـو الله

ترادفت الأشواق واضطـرم الحشـا *** فمن ذا له صبـر وتضـرم أحشـاه

وأسرى بنا الحادي فأمعن في السرى *** وولى الكرى نـوم الجفـون نفينـاه


الإحرام من الميقات


ولمـا بـدا ميقـات إحـرام حجـنـا *** نزلنـا بـه والعيـس فيـه أنخـنـاه

ليغتسـل الحجـاج فيـه ويحـرمـوا *** فمنـه نلـبـي ربـنـا لا حرمـنـاه

ونـادى منـاد للحجـيـج ليحـرمـوا *** فلـم يبـق إلا مـن أجــاب ولـبـاه

وجـردت القمصـان والكـل أحرمـوا *** ولا لبـس لا طيـب جميعـاً هجرنـاه

ولا لهو ولا صيـد ولا نقـرب النسـا *** ولا رفـث لا فسـق كُـلاً رفضـنـاه

وصرنـا كأمـوات لففنـا جسومـنـا *** بأكفانـنـا كــل ذلـيـل لـمــولاه

لعـل يـرى ذل العـبـاد وكسـرهـم *** فيرحمـهـم رب يـرجـون رحـمـاه

ينادونـه : لبيـك لبـيـك ذا الـعـلا *** وسعديك كـل الشـرك عنـك نفينـاه

فلو كنـت يـا هـذا تشاهـد حالهـم *** لأبكاك ذاك الحـال فـي حـال مـرآه

وجوههـم غبـر وشعـث رءوسهـم *** فــلا رأس إلا لـلإلـه كشـفـنـاه

لبسنـا دروعـاً مـن خضـوع لربنـا *** وما كان من درع المعاصـي خلعنـاه

وذاك قليـل فــي كثـيـر ذنوبـنـا *** فيـا طالمـا رب العـبـاد عصيـنـاه

إلـى زمـزم زمـت ركـاب مطيـنـا *** ونحو الصفا عيـس الوفـود صففنـاه

نــؤم مقـامـاً للخلـيـل معظـمـاً *** إليـه استبقنـا والـركـاب حثثـنـاه

ونحـن نلبـي فـي صعـود ومهبـط *** كذا حالنـا فـي كـل مرقـى رقينـاه

وكـم نشـز عـال علتـه رفـودنـا *** وتعلو بـه الأصـوات حيـن علونـاه

نحـج لبيـت حجـه الرسـل قبلـنـا *** لنشهـد نفعـاً فـي الكتـاب وعدنـاه

دعـانـا إلـيـه الله قـبـل بنـائـه *** فقلـنـا لــه لبـيـك داع أجبـنـاه

أتيـنـاك لبيـنـاك جئـنـاك ربـنـا *** إلـيـك هربـنـا والأنــام تركـنـاه

ووجهـك نبفـي أنـت للقلـب قبـلـة *** إذا مـا حججنـا أنـت للحـج رمنـاه

فما البيت ما الأركان ما الحجر ما الصفا *** وما زمـزم أنـت الـذي قـد قصدنـاه

وأنـت منانـا أنـت غايـة سولـنـا *** وأنـت الـذي دنيـا وأخـرى أردنـاه

إليـك شددنـا الرحـل نختـرق الفـلا *** فكـم سُـدَّ سَـدُّ فـي سـواد خرقنـاه

كذلـك مـا زلنـا نـحـاول سيـرنـا *** نهـارا وليـلاً عيسنـا مـا أرحـنـاه

إلى أن بدا إحدى المعالـم مـن منـى *** وهـب نسيـم بالـوصـال نشقـنـاه

ونادى بنـا حـادي البشـارة والهنـا *** فهـذا الحمـى هـذا ثـراه غشيـنـاه

رؤية البيت 



وما زال وفـد الله يقصـد مكـة *** إلى أن بدا البيت العتيق وركنـاه

فضجت ضيوف الله بالذكر والدعا *** وكبرت الحجـاج حيـن رأينـاه

وقد كادت الأرواح تزهق فرحـة *** لما نحن من عظم السرور وجدناه

تصافحنا الأملاك من كان راكبـا *** وتعتنـق الماشـي إذا تتلـقـاه

طواف القدوم 

فطفنـا بــه سبـعـاً رملـنـا *** وأربعة مشينا كمـا قـد أمرنـاه

كذلك طـاف الهاشمـي محمـد *** طواف قدوم مثل ما طاف طفنـاه

وسالت دموع من غمام جفوننـا *** على ما مضى من إثم ذنب كسبناه

ونحن ضيـوف الله جئنـا لبيتـه *** نريد القرى نبغي من الله حسنـاه

فنادى بنا أهلا ضيوفي تباشـروا *** وقروا عيونـا فالحجيـج قبلنـاه

غدا تنظروني في جنان خلودكـم *** وذاك قراكم مـع نعيـم ذخرنـاه

فأي قرى يعلـو قرانـا لضيفنـا *** وأي ثواب مثـل مـا قـد أثبنـاه

وكل مسيء قـد أقلنـا عثـاره *** ولا وزر إلا عنكم قـد وضعنـاه

ولا نصـب إلا وعنـدي جـزاؤه *** وكـل الـذي أنفقتمـوه حسبنـاه

سأعطيكم أضعاف أضعاف مثلـه *** فطيبوا نفوساً فضلنا قد فضلنـاه

فيـا مرحبـا بالقادميـن لبيتنـا *** إلـى حججتـم لا لبيـت بنينـاه

علي الجزا مني المثوبة والرضى *** ثوابكـم يـوم الجـزا أتــولاه

فطيبوا سروراً وافرحوا وتباشروا *** وتيهوا وهيموا بابنا قـد فتحنـاه

ولا ذنب إلا قـد غفرنـاه عنكـم *** وما كان من عيب عليكم سترناه

فهذا الـذي نلنـا بيـوم قدومنـا *** وأول ضيـق للصـدور شرحنـاه


المبيت بمنى والمسير إلى عرفات 


وبتنا بأقطار المحصب من منـى *** فيا طيب ليـل بالمحصـب بتنـاه

في يومنا سرنا إلى الجبل الـذي *** من البعد جئناه لما قـد وجدنـاه

فلا حـج إلا أن نكـون بأرضـه *** وقوفاً وهذا في الصحيح روينـاه

إليـه ابتدرنـا قاصديـن إلهنـا *** فلولاه مـا كنـا لحـج سلكنـاه

وسرنا إليـه قاصديـن وقوفنـا *** عليه ومن كـل الجهـات أتينـاه

على علميـه للوقـوف جلالـة *** فلا زالتا تحمى وتحـرس أرجـاه

وبينهمـا جزنـا إليـه بزحمـة *** فيا طيبها ليت الزحـام رجعنـاه

ولمـا رأينـاه تعالـى عجيجنـا *** نلبـي وبالتهليـل منـا ملأنـاه

وفيـه نزلنـا بكـرة بذنوبـنـا *** وما كان من ثقل المعاصي حملناه


الوقوف بعرفة 


وبعد زوال الشمس كـان وقوفنـا *** إلى الليل نبكـي والدعـاء أطلنـاه

فكم حامـد كـم ذاكـر ومسبـح *** وكم مذنب يشكـو لمـولاه بلـواه

فكم خاضـع كـم خاشـع متذلـل *** وكم سائل مـدت إلـى الله كفـاه

وساوى عزيز في الوقوف ذليلنـا *** وكم ثوب عز في الوقوف لبسنـاه

ورب دعانـا ناظـر لخضوعـنـا *** خبير عليـم بالـذي قـد أردنـاه

ولما رأى تلك الدموع التي جرت *** وطول خشوع مع خضوع خضعناه

تجلى علينـا بالمتـاب وبالرضـى *** وباهى بنا الأملاك حيـن وقفنـاه

وقال انظروا شعثا وغبرا جسومهم *** أجرنـا أغثنـا يـا إلهـا دعونـاه

وقد هجـروا أموالهـم وديارهـم *** وأولادهم والكـل يرفـع شكـواه

إلـي فإنـي ربـهـم ومليكـهـم *** لمن يشتكي المملـوك إلا لمـولاه

ألا فاشهدوا أني غفـرت ذنوبهـم *** ألا فانسخوا ما كان عنهم نسخنـاه

فقد بدأت تلك المسـاوي محاسنـا *** وذلك وعـد مـن لدنـا وعدنـاه

فيا صاحبي من مثلنا فـي مقامنـا *** ومن ذا الذي قد نال ما نحن نلنـاه

على عرفات قـد وقفنـا بموقـف *** به الذنب مغفـور وفيـه محونـاه

وقد أقبل البـاري علينـا بوجهـه *** وقال ابشروا فالعفو فيكم نشرنـاه

وعنكم ضمنا كـل تابعـة جـرت *** عليكـم وأمـا حقـنـا فوهبـنـاه

أقلناكم من كـل مـا قـد جنيتـم *** وما كان من عذر لدينـا عذرنـاه

فيا من أسا يا من عصى لو رأيتنـا *** وأوزارنـا ترمـى ويرحمنـا الله


ذكر خزي إبليس اللعين


فإبليس مغموم لكثرة ما يرى *** من العتق محقوراً ذليلاً دحرناه

على رأسه يحثو التراب مناديا *** بأعوانه : ويلاه ذا اليوم ويلاه

وأظهر من حسـرة وندامـة *** وكل بناء قـد بنـاه هدمنـاه

تركناه يبكي بعدما كان ضاحكاً *** فكم مذنب من كفه قد سللنـاه

وكم أمل نلناه يـوم وقوفنـا *** وكم من أسير للمعاصي فككناه

وكم قد رفعنا للإلـه مطالبـا *** ولا أحد ممن نحـب نسينـاه

وخصصت الآباء والأهل بالدعا *** وكم صاحب دان وناء ذكرنـاه

كذا فعل الحجاج هاتيك عـادة *** وما فعل الحجاج فيه فعلنـاه

وظل إلى وقت الغروب وقوفنا *** وقيل ادفعوا فالكل منكم قبلناه


الإفاضة والمبيت بمزدلفة وذكر الله عند المشعر


أفيضوا وأنتم حامدون إلهكـم *** إلى مشعر جاء الكتاب بذكراه

وسيروا إليه واذكروا الله عنده *** فسرنا وفي وقت العشاء نزلناه

وفيه جمعنا مغرباً وعشاءهـا *** ترى عائداً جمعاً لجمع جمعناه

وبتنا به حتى لقطنـا جمارنـا *** وربا شكرناه على ما هدانـاه

ومنه أفضنا حيثما الناس قبلنا *** أفاضوا وغفران الإله طلبنـاه


نزول منى والرمي والحلق والنحر


ونحو منى ملنا بها كان عيدنـا *** ونلنا بها ما القلب كان تمنـاه

فمن منكـم بالله عيـد عيدنـا *** فعيد منـى رب البريـة أعـلاه

وفيه رمينـا للعقـاب جمارنـا *** ولا جرم إلا مع جمار رمينـاه

وبالجمرة القصوى بدأنا وعندها *** حلقنا وقصرنا لشعر حضرنـاه

ولما حلقنا حل لبـس مخيطنـا *** فيا حلقة منها المخيط لبسنـاه

وفيها نحرنا الهدي طوعاً لربنا *** وإبليس لما أن نحرنـا نحرنـاه

ومن بعدها يومان للرمي عاجلاً *** ففيها رمينـا والإلـه دعونـاه

وإياه أرضينا برمـي جمارنـا *** وشيطاننا المرجوم ثم رجمنـاه

وبالخيف أعطانا الإلـه أماننـا *** وأذهب عنا كل ما نحن نخشـاه


النفرة من منى 

وردت إلى البيت الحرام وفودنا *** تحن له كالطير حـن لمـأواه

وطفنا طوافا للإفاضة حولـه *** وفزنا به بعد الجمار وزرنـاه

ومن بعد ما زرنا دخلناه دخلة *** كأنا دخلنا الخلد حين دخلنـاه

ونلنا أمان الله عنـد دخولـه *** كذا أخبر القرآن فيما قرأنـاه

فيا منزلاً قد كان أبرك منـزل *** نزلناه في الدنيا وبيتاً وطئنـاه

ترى حجةً أخرى إليه ودخلـةً *** وهذا على درب الورى نتمناه

فإخواننا ما كان أحلى دخولنا *** إليه ولبثـا فـي ذراه لبثنـاه


طواف الإفاضة 

نطوف به والله يحصي طوافنـا *** ليسقط عنا ما نسينـا وأحصـاه

وبالحجر الميمون عجنـا فإنـه *** لرب السما والأرض للخلق يمناه

نقبلـه مـن حبـنـا لإلهـنـا *** وكم لثمة طي الطـواف لثمنـاه

وذاك لنا يـوم القيامـة شاهـد *** وفيـه لنـا لله عهـد عهدنـاه

ونستلم الركن اليمانـي طاعـة *** ونستغفر المولى إذا ما لمسنـاه

وملتـزم فيـه التزمنـا لربنـا *** عهوداً وعقبى الله فيه لزمنـاه

وكم موقف فيه يجاب لنا الدعـا *** دعونا به والقصد فيـه نوينـاه


الصلاة بالمقام والشرب من زمزم والسعي 


وصلى بأركـان المقـام حجيجنـا *** وفي زمزم ماءً طهـوراً وردنـاه

وفيه الشفا فيـه بلـوغ مرادنـا *** لما نحن ننويـه إذا مـا شربنـاه

وبين الصفا والمروة الوفد قد سعى *** فإن تمام الحـج تكميـل مسعـاه

فسبعاً سعاها سيد الرسـل قبلنـا *** ونحـن تبعنـاه فسبعـاً سعينـاه

نهرول فـي أثنائهـا كـل مـرة *** فهذاك من فعل الرسـول فعلنـاه


تمام الحج والتحلل الثاني 


وبعد تمـام الحـج والنسـك كلهـا *** حللنا وباقـي عيسنـا قـد أنخنـاه

فمن شاء وافى الصيد والطيب والنسا *** وقـد تـم حـج للإلـه حججـنـاه

ولما اعتمرنا كـان أبـرك عمرنـا *** زمانـا نـراه باعتمـار عمـرنـاه


ذكر أقسام الدعاء بعد تمام النسك 


ولما قضينـا للإلـه مناسكـاً *** ذكرناه والمطلوب منه سألنـاه

فمن طالب حظاً بدنيا فمـا لـه *** خـلاق بأخـراه إذا الله لاقـاه

ومن طالب حسنا بدنيـا لدينـه *** وحسنـا بأخـراه وذاك يوفـاه

وآخر لا يبغي مـن الله حاجـة *** سوى نظرة في وجهه يوم عقباه

طواف الوداع 
وبات حجيج الله بالبيت محدقـاً *** ورحمة رب العرش ثمت تغشاه
تداعت رفاقا بالرحيل فما تـرى *** سوى دمع عين بالدماء مزجنـاه
لفرقة بيت الله والحجـر الـذي *** لأجلهما صعب الأمور سلكنـاه
وودعت الحجاج بيـت إلههـا *** وكلهم تجري من الحزن عينـاه
فللَّه كم باك وصاحـب حسـرة *** يـود بـأن الله كـان تـوفـاه
فلو تشهد التوديع يومـاً لبيتـه *** فإن فراق البيت مـر وجدنـاه
فمـا فرقـة الأولاد والله إنـه *** أمر وأدهى ذاك شيء خبرنـاه
فمن لم يجرب ليس يعرف قدره *** فجرب تجد تصديق ما قد ذكرناه
لقد صدعـت أكبادنـا وقلوبنـا *** لما نحن من مر الفراق شربنـاه
والله لـولا أن نؤمـل عــودة *** إليه لذقنا الموت حيـن فجعنـاه 

ذكر الرحيل إلى طيبة وزيارة النبي عليه الصلاة والسلام 



ومن بعد ما طفنـا طـواف وداعنـا *** رحلنا لمغنى المصطفـى ومصـلاه

ووالله لـو أن الأسنـة أشـرعـت *** وقامت حروب دونـه مـا تركنـاه

ولـو أننـا علـى الـروس دونـه *** ومن دونه جفـن العيـون فرشنـاه

وتملـك منـا بالوصـول رقبـانـا *** ويسلب منـا كـل شـيء ملكنـاه

لكـان يسيـراً فـي محبـة أحمـد *** وبالروح لو يشرى الوصال شرينـاه

ورب الورى لولا محمـد لـم نكـن *** لطيبـة نسعـى والركـاب شددنـاه

ولولاه ما اشتقنـا العقيـق ولا قبـا *** ولولاه لـم نهـوى المدينـة لـولاه

هو القصد إن غنـت بنجـد حداتنـا *** وإلا فمـا نجـد وسـلـع أردنــاه

وما مكة والخيف قل لـي ولا منـى *** وما عرفـات قبـل شـرع أردنـاه

بـه شرفـت تلـك الأماكـن كلهـا *** وربك قد خـص الحبيـب وأعطـاه

لمسجـده سرنـا وشـدت رحالنـا *** وبيـن يديـه شوقنـا قـد كشفنـاه

قطعنـا إليـه كـل بـر ومهـمـه *** ولا شاغـل إلا وعـنـا قطعـنـاه

كـذا عزمـات السائريـن لطيـبـة *** رعى الله عزمـاً للحبيـب عزمنـاه

وكم جبـل جزنـا ورمـل وحاجـز *** ولله كـم واد وشـعـب عبـرنـاه

ترنحنـا الأشـواق نحـو محـمـد *** فنسري ولا ندري بما قـد سرينـاه

ولمـا بـدا جـزع العقيـق رأيتنـا *** نشاوى سكـارى فارحيـن برؤيـاه

شممنا نسيماً جاء من نحـو طيبـة *** فأهلاً وسهلاً يـا نسيمـا شممنـاه

فقـد ملئـت منّـا القلـوب مسـرة *** وأي سرور مثل مـا قـد سررنـاه

فوا عجبـاه كيـف قـرّت عيوننـا *** وقـد أيقنـت أن الحبيـب أتيـنـاه

ولقيـاه منـا بَعـدَ بُعـدٍ تقـاربـت *** فـو الله لا لقيـا تـعـادل لقـيـاه

وصلنـا إليـه واتصلنـا بقـربـه *** فلله مـا أحلـى وصـولاً وصلنـاه

وقفنـا وسلمنـا علـيـه وإنــه *** ليسمعنا مـن غيـر شـك فدينـاه

ورد علينـا بالـسـلام سلامـنـا *** وقد زادنا فـوق الـذي قـد بدأنـاه

كذا كان خلق المصطفـى وصفاتـه *** بذك في الكتـب الصحـاح عرفنـاه

وثـم دعـونـا للأحـبـة كلـهـم *** فكم من حبيب بالدعـاء خصصنـاه

وملنـا لتسليـم الإماميـن عـنـده *** فإنهمـا حقـاً هـنـاك ضجيـعـاه

وكم قد مشينا في مكان بـه مشـى *** وكـم مدخـل للهاشمـي دخلـنـاه

وآثـاره فيهـا العيـون تمتـعـت *** وقمنـا وصلينـا بحيـث مـصـلاه

وكم قـد نشرنـا شوقتنـا لحبيبنـا *** وكم من غليل في القلـوب شفينـاه

ومسجـده فيـه سجـدنـا لربـنـا *** فلله مـا أعلـى سجـوداً سجدنـاه

بروضـة قمنـا فهاتـيـك جـنـة *** فيا فوز من فيهـا يصلـي وبشـراه

ومنبـره الميمـون مـنـه بقـيـة *** وقفنـا عليهـا والفـؤاد كـررنـاه

كذلك مثـل الجـذع حنـت قلوبنـا *** إليـه كمـا ود الحبيـب وددنــاه

وزرنا قبـا حبـا لأحمـد إذ مشـى *** عسى قدماً يخطـو مقامـا تخطـاه

لنبعث يـوم البعـث تحـت لوائـه *** إذا الله مـن تلـك الأماكـن نـاداه

وزرنـا مـزارات البقيـع فليتـنـا *** هنـاك دفنـا والممـات رزقـنـاه

وحمزة زرناه ومـن كـان حولـه *** شهيـداً وأحـداً بالعيـون شهدنـاه

ولمـا بلغنـا مـن زيـارة أحمـد *** منانـا حمدنـا ربـنـا وشكـرنـاه

ومن بعد هذا صاح بالبيـن صائـح *** وقال ارحلوا يا ليتنـا مـا أطعنـاه

سمعنا له صوتـاً بتشتيـت شملنـا *** فيا ما أمر الصوت حيـن سمعنـاه

وقمنـا نـؤم المصطفـى لوداعـه *** ولا دمـع إلا لـلـوداع صببـنـاه

ولا صبر كيف الصبر عند فراقـه ؟ *** وهيهات إن الصبر عنـه صرفنـاه

أيصبـر ذو عقـل لفرقـة أحـمـد *** فلا والذي من قاب قوسيـن أدنـاه

فواحسرتـاه مــن وداع محـمـد *** وأواه مـن يــوم التـفـرق أواه

سأبكي عليه قـدر جهـدي بناظـر *** من الشوق ما ترقى من الدمع غرباه

فيا وقت توديعـي لـه مـا أمـره *** ووقت اللقا والله مـا كـان أحـلاه

عسـى الله يدنينـي لأحمـد ثانيـاً *** فيا حبـذا قـرب الحبيـب ومدنـاه

فيـا رب فارزقنـي لمغنـاه عـودة *** تضاعف لنا فيها الثـواب وترضـاه

رحلنـا وخلفنـا لـديـه قلوبـنـا *** فكم جسد مـن غيـر قلـب قلبنـاه

ولمـا تركنـا ربعـه مـن ورائنـا *** فـلا نـاظـر إلا إلـيـه رددنــاه

لنغنـم منـه نظـرة بعـد نـظـرة *** فلمـا أغبنـاه السـرور أغبـنـاه

فلا عيش يهنى مـع فـراق محمـد *** أأفقـد محبوبـي وعيشـي أهـنـاه

دعوني أمت شوقـاً إليـه وحرقـة *** وخطوا علـى قبـري بأنـي أهـواه

فيا صاحبي هذي التي بي قد جـرت *** وهذا الذي في حجنـا قـد عملنـاه

فإن كنت مشتاقاً فبادر إلى الحمـى *** لتنظـر آثـار الحبيـب وممـشـاه

وتحظى بيت الله مـن قبـل منعـه *** كأنـا بـه عمـا قليـل منعـنـاه

أليس ترى الأشراط كيـف تتابعـت *** فبادر واغنمـه كمـا قـد غنمنـاه

إلى عرفات عاجل العمـر واستبـق *** فثـم إلـه الخلـق يسبـغ نعمـاه

وعيد مع الحجاج يا صاح في منـى *** فعيد منـى أعـلاه عيـداً وأسنـاه

وضح بها واحلـق وسـر متوجهـاً *** إلى البيت واصنع مثل ما قد صنعناه

وكـن صابـراً إنـا لقينـا مشقـة *** فإن تلقها فاصبر كصبـر صبرنـاه

لقد بعـدت تلـك المعالـم والربـا *** فكم من رواح مـع غـدو غدونـاه

فبـادر إليهـا لا تـكـن متوانـيـا *** لعلك تحظـى بالـذي قـد حظينـاه

وحـج بمـال مـن حـلال عرفتـه *** وإيـاك والمـال الـحـرام وإيــاه

فمن كـان بالمـال المحـرم حجـه *** فعن حجـه والله مـا كـان أغنـاه

إذا هـو لبـى الله كـان جـوابـه *** مـن الله لا لبيـك حـج رددنــاه

كذلك جانـا فـي الحديـث مسطـرا *** ففي الحج أجر وافـر قـد سمعنـاه

ومن بعد حج سـر لمسجـد أحمـد *** ولا تخـطـه تـنـدم إذا تتخـطـاه

فوا أسف الساري إذا ذكـر الحمـى *** إذا ربـع خيـر المرسليـن تخطـاه

ووالهـف الآتـي بحـج وعـمـرة *** إذا لـم يكمـل بالزيـارة ممـشـاه

يعزى على ما فاتـه مـن مـزاره *** فقـد فاتـه أجـر كثيـر بـأخـراه

نظرناه حقـاً حيـن بانـت ركابنـا *** على طيبـة حقـاً وصدقـاً نظرنـاه

وزادت بنـا الأشـواق عنـد دنونـا *** إليهـا فمـا أحلـى دنـوا دنيـنـاه

ولمـا بـدت أعلامهـا وطلولـهـا *** تحـدرت الركبـان عمـا ركبـنـاه

وسرنـا مشـاة رفعـة لمحـمـد *** حثنا الخطا حتـى المصلـى دخلنـاه

لنغنـم تضعيـف الثـواب بمسجـد *** صـلاة الفتـى فيـه بألـف يوفـاه

كذلـك فاغنـم فـي زيـارة طيبـة *** كما قد فعلنا واغتنـم مـا غنمنـاه

فإذ ما رأيـت القبـر قبـر محمـد *** فلا تـدن منـه ذاك أولـى لعليـاه

وقـف بوقـار عـنـده وسكيـنـة *** ومثـل رسـول الله حيـا بمـثـواه

وسلـم عليـه والوزيريـن عنـد *** هوزره كـم زرنـا لنحصـد عقبـاه

وبلغـه عنـا لا عدمـت سلامـنـا *** فأنـت رسـول للرسـول بعثـنـاه

ومن كـان منـا مبلغـا لسلامنـا *** فإنـا بمبـلاغ السـلام سبقـنـاه

فيـا نعمـة لله لسنـا بشكـرهـا *** نقوم ولـو مـاء البحـور مددنـاه

فنحمد رب العرش إذا كـان حجنـا *** بزورة مـن كـان الختـام ختمنـاه


عليك سلام الله مـا دامـت السمـا *** سلام كمـا يبغـى الإلـه ويرضـاه


ملاحظة : هذه القصيدة ذكرها الحافظ تقي الدين محمد بن أحمد بن علي الفاسي المكي المالكي النتوفى سنة 823 هـ في كتابه ( شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام ) ، ونسبها إلى الأديب أبي بكر محمد بن محمد بن عبد الله بن رشد البغدادي وذكر أن صاحبها سماها ( الذهبية في الحجة المالكية والذروة المحمدية ) وعلى هذا فليست القصيدة هذه للصنعاني المتوفى سنة 1182 هـ ، حيث إن الفاسي قبله بنحو أربعة قرون .

ومن باب الأمانة في الأداء ذكرناها بالنص والحرف . والله من وراء القصد.
من كتاب " حكم وأقوال " محمد الطريري ..


شارك الموضوع

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق