.



الصفحات

الزيارات:
أكثروا من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم

الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحمة المهداة

الحديث عنه صلى الله عليه وسلم مفتاح القلوب وبهجة النفوس فأسعد الناس من يوفق في عبادته لله بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فإنها من أجل العبادات التي يتقرب بها العبد إلى مولاه عزوجل، وينال بها مناه في الدنيا والآخرة.
إن أمتع كلام المؤمن ما كان فيه ذكر نعمة الله والإشادة بإحسانه عز وجل، وأعظم النعم التي تفضل الله بها علينا أن جعلنا من أمة الإسلام،
أمة الحبيب محمد رسول الله عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، فالحديث عنه صلى الله عليه وسلم حديث كل مناسبة... حديث المؤمن عنه في كل زمان و مكان؛ فهو صلى الله عليه وسلم البشير النذير، والسراج المنير، والرؤوف الرحيم بأمته، العطوف الحريص عليها.
إن أولى الناس بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وأحقهم بتقديره، وأخصهم بعنايته يوم القيامة أكثرهم صلاة عليه صلى الله عليه وسلم، وأن يعملوا بشريعته، ويتمسكوا بسنته، وأن يكثروا من الصلاة والسلام عليه دائماً أبداً، فإذا كان مولانا سبحانه وتعالى في عظمته وكبريائه، وملائكته في أرضه وسمائه يصلون على النبي الأمي صلى الله عليه وسلم تعظيماً لشأنه، وإظهاراً لفضله، وإشارة إلى قربه من ربه، فما أحوجنا نحن الفقراء إلى رحمة الله عزوجل أن نكثر من الصلاة والسلام عليه امتثالاً لأمره تعالى، وقضاء لبعض حقه صلى الله عليه وسلم، فقد أخرجنا الله به من الظلمات إلى النور، وهدانا به إلى الصراط المستقيم، وجعلنا به من خير الأمم، وفضلنا به على سائر الناس أجمعين، وكتب لنا به الرحمة التي وسعت كل شيء؛ قال الله تعالى: وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْء فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُوْتُونَ ٱلزَّكَـوٰةَ وَٱلَّذِينَ هُم بِـئَايَـٰتِنَا يُوْمِنُونَ، ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِىَّ ٱلامّىَّ [1]. فالحمد لله الذي هدانا للإسلام، والحمد لله أن جعلنا من أمة محمد عليه أفضل الصلاة والسلام.
الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم:

قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً[2].
قال ابن كثير رحمه الله: "المقصود من هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى بأنه تصلي عليه الملائكة ثم أمر الله تعالى العالم السفلي بالصلاة والسلام عليه، ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي جميعاً" [3]

قال ابن القيم رحمه:"والمعنى أنه إذا كان الله وملائكته يصلون على رسوله فصلوا عليه أنتم أيضاً، صلوا عليه وسلموا تسليماً لما نالكم ببركة رسالته ويمن سفارته، من خير شرف الدنيا والآخرة" [4].
وقد ذُكر في معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أقوال كثيرة، نذكر منها:

قال ابن عباس رضي الله عنهما: "معناها: إن الله و ملائكته يباركون على النبي" . وقيل: "إن الله يترحم على النبي، وملائكته يدعون له" . قال المبرد: "وأصل الصلاة الترحم، فهي من الله رحمة، ومن الملائكة رقة واستدعاء للرحمة من الله" .
وقال أبو بكر القشيري رحمه الله: "الصلاة من الله تعالى لمن دون النبي صلى الله عليه وسلم رحمة، وللنبي صلى الله عليه وسلم تشريف وزيادة مكرمة" .
وقال أبو العالية رحمه الله: "إن الصلاة من الله ثناؤه على المصلى عليه في الملأ الأعلى أي عند الملائكة المقربين" .

وأما في التسليم الذي أمر الله تعالى به عباده؛ فقد فقال القاضي أبو بكر بن بكير: "نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر الله أصحابه أن يسلموا عليه، وكذلك من بعدهم أمروا أن يسلموا على النبي صلى الله عليه وسلم عند حضورهم قبره، وعند ذكره" .
وقد ذكر القاضي عياض رحمه الله في "الشفا" ثلاثة وجوه لمعنى السلام عليه صلى الله عليه وسلم:
"أحدهما: السلامة لك ومعك، ويكون السلام مصدراً" ."
ثانيها: أي السلام على حفظك ورعايتك متول له، وكفيل به، ويكون هنا السلام اسم الله" ."
ثالثها: أن السلام بمعنى المسالمة له والانقياد، كما قال تعالى: " [5]فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُوْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً [6] والسلام: هو السلامة من النقائص والآفات فإن ضم السلام إلى الصلاة حصل به المطلوب وزال به المرهوب، فبالسلام يزول المرهوب وتنتفي النقائص وبالصلاة يحصل المطلوب وتثبت الكمالات والمحبة للمصحوب، إذ الصلاة صلة ودعاء.

"إن المقصود من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والتسلم و الإكثار منهما هو صحبته ومحبته؛ فإننا إن أكثرنا ذكره كما أمرنا أصبحت صورته ومعناه في قلوبنا بمثابة النور الذي نهتدي به إلى ذكر الله ومحبته نتيجة الصلاة على المحبوب المجتبى صلى الله عليه وسلم وصلتنا الدائمة به. فالصلاة صلة" [7].
وجوب الإكثار من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم:

إن الإكثار من الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم أقرب القربات وأعظم الطاعات، وعلامة على محبة العبد المؤمن لله تعالى الذي أمر بذلك، ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم ونيل القرب منه وتحقيق الوصل والصحبة للجناب الشريف صلى الله عليه وسلم. "إن من دلائل محبة النبي صلى الله عليه وسلم، الإكثار من الصلاة والسلام عليه امتثالا لأمر الله تعالى وتشوقا إليه واغتناما لما فيه من الفوائد العظيمة والأجور المضاعفة الجسيمة" [8].

ولقد ورد الأمر الرباني بالإكثار من الصلاة على نبيننا محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم، كما بينت آية الأحزاب من خلال قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [9].

أما من السنة النبوية فالأحاديث في ذلك كثيرة منها:

• حديث ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة" . حسنه الترمذي وصححه ابن حبان وله شاهد عند البيهقي عن أبي أمامة بلفظ: "صلاة أمتي تعرض علي في كل يوم جمعة فمن كان أكثرهم علي صلاة كان أقربهم مني منزلة" .

• حديث أبي بن كعب عن أبيه قال: كان صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلثا الليل قام فقال: "يا أيها الناس اذكروا الله اذكروا الله، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه" ، قال أبي: قلت، يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي، فقال: "ما شئت" ، قال: قلت الربع، قال: "ما شئت، فإن زدت فهو خير لك" ، قلت: النصف، قال: "ما شئت فإن زدت فهو خير لك"، قال: قلت فالثلثين، قال: "ما شئت فإن زدت فهو خير لك" ، قلت أجعل لك صلاتي كلها، قال: "إذن تكفى همك ويغفر ذنبك" [10].

• حديث أوس بن أوس رضي الله عنه، قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: "إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة: فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه الصعقة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي" . قال: قلنا: يا رسول الله، كيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت؟ يقولون: قد بليت؟ قال: "إن الله عز وجل حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء" [11].
• ومنها حديث: "البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي" [12] .
• ومنها: "من نسي الصلاة علي خطئ طريق الجنة" [13] .
• وحديث : "رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل عليّ" [14]، وفي رواية أخرى: "من ذكرت عنده فلم يصل علي فمات فدخل النار فأبعده الله" .
وفي السنة أحاديث كثيرة تدل على وجوب الإكثار من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أشار إليها الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري؛ لم يخرج البخاري منها شيئا[15].

حد أقل الإكثار من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
إن الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم علامةً مميزة لأحبابه وإخوانه وحزبه على مر الزمان وفي كل الأوطان؛ كما يقول الإمام علي زين العابدين ابن الإمام الحسين عليه السلام فيما رواه أبو القاسم التيمي: "علاَمة أهل السنة: كَثْرةُ الصلاَة علَى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم" [16].

وقد تناقل الكثير من العلماء قولا منسوبا للعلامة المتَّقي الهندي في أن أقل الإكثار ألف مرة، وقيل أقله ثلاثمائة... وهو ما ذكره الفقيه المالكي مكي بن أبي طالب القيسي.

ونقل عن الإمام الشعراني رحمه الله أنه قال في كشف الغمة: "قال بعض العلماء رضي الله عنهم: وأقل الإكثار من الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم سبعمائة مرة كل يوم وسبعمائة مرة كل ليلة" ، وقال غيره: "أقل الإكثار ثلاثمائة وخمسون كل يوم وثلاثمائة وخمسون كل ليلة" .

وقال: "أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نكثر من الصلاة والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلاً ونهاراً ونذكر لإخواننا في ذلك ما في ذلك من الأجر والثواب ونرغبهم فيه كل الترغيب إظهاراً لمحبته صلى الله عليه وسلم وأن جعلوا لهم ورداً كل يوم وليلة صباحاً ومساء من ألف صلاة إلى عشرة آلاف صلاة كان ذلك من أفضل الأعمال" [17].

وتحدث الحافظ السخاوي رحمه الله عن أقل الإكثار بقوله: "فالقول بثلاثمائة فيما يكون به أقل الإكثار منقول عن أحد الصالحين بالتجارب... أو بما يحصل به التواتر" [18].

وفي عمل يوم المؤمن وليلته اختار الأستاذ عبد السلام ياسين "أن [أقل] الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يكون بثلاثمائة مرة على يوميا، وتخصيص ليلة الجمعة ويومها للصلاة عليه صلى الله عليه وسلم" [19].

وقد ورد في الإكثار حديث مرفوع عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ فِي يَوْمٍ أَلْفَ مَرَّةٍ لَمْ يَمُتْ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ" [20].

وبالجملة فكل إكثار في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هو قليل بالنسبة إلى عظيم حقه ورفيع مقامه عند ربه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً لَمْ تَزَلِ الْمَلاَئِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا صَلَّى عَلَيَّ، فَلْيُقِلَّ عَبْدٌ مِنْ ذَلِكَ أَوْ لِيُكْثِرْ" [21].
كيفية الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم

أما عن كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فقد وردت هذه الكيفية من طرق كثيرة عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم نذكر ما صح منها على سبيل المثال لا الحصر:

• أخرج البخاري في صحيحه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدي لك هدية سمعتها من النبي صلى الله عليه وسلم فقلت بلى فأهدها إلي فقال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت فإن الله علمنا كيف نسلم؟ قال: "قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد" .

• وأخرج أيضا حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه: قيل يا رسول الله أما السلام عليك فقد عرفناه فكيف الصلاة عليك؟ قال: "قولوا اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد . اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد" .

• وأخرج البخاري عن أبي سعيد الخدري قال: قلنا: يا رسول الله هذا السلام عليك فكيف نصلي؟ "قولوا اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم" .

• وأخرج البخاري ومسلم عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه أنهم قالوا يا رسول الله كيف نصلي عليك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قولوا اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد" .

وقد نقل ابن حجر رحمه الله عدة صيغ في كيفة الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر أن"سبب اختلاف هذه الصيغ يرجع إلى حفظ بعض الرواة ما لم يحفظه الآخر، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن المصلي في سعة من أن يختار أي صيغة يصلي بها علي النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان الأفضل ما علمناه. قال: السخاوي الجمهور على أن الأجر يحصل للمصلي بكل لفظ أدى المراد من الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم" .

وهذه الكيفية التي علم صلى الله عليه وسلم أصحابه إياها عندما سألوه عن كيفية الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم هي أفضل كيفيات الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وأكملها الصيغة التي فيها الجمع بين الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة على إبراهيم صلى الله عليه وسلم وآله.

وإن كان ابن حجر رحمه الله استدل بأن "الصلاة التي يحصل بها الأجر والثواب هي الصلاة الإبراهيمية" ، فإنه اعتبر أن "أبر الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اختاره صلى الله عليه وسلم لنفسه" [22].

وذكر ابن حجر أن الإمام النووي رحمه الله صوب ذلك في الروضة، وذكر كيفيات أخرى يحصل بها البر في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي الصلاة بالمكيال الأوفى، فقال: "والذي يرشد إليه الدليل أن البر يحصل بما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " "من سره أن يكال له [وفي لفظ يكتال] بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت فليقل: "اللهم صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد"" [23].

وقد درج المحدثون بذكر الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم عند ذكره بصيغتين مختصرتين إحداهما (صلى الله عليه وسلم) والثانية (عليه الصلاة والسلام).

يقول الإمام ابن الصلاح: "ينبغي له - يعني كاتب الحديث - أن يحافظ على كتابة الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذكره ولا يسأم من تكرير ذلك عند تكرره فإن ذلك من أكبر الفوائد التي يتعجلها طلبة الحديث وكتبته ومن أغفل ذلك حرم حظا عظيما" [24].

وقال الفيروزبادي رحمه الله: "ولا ينبغي أن ترمز للصلاة كما يفعله بعض الكسالى والجهلة وعوام الطلبة فيكتبون صورة [حروف صماء] بدلا من صلى الله عليه وسلم" [25].

وأنشد أبو بكر البرقاني المحدث قائلا:

وأرجو الثواب بكَتب الصلاة على السيد المصطفى أحمدا
وأسأل ربي إله العباد جريا على ما به عودا    [26]

أما عن تسيده صلى الله عليه وسلم فقد قال الشافعية والحنفية: "تندب السيادة لمحمد صلى الله عليه وسلم في الصلوات الإبراهيمية؛ لأن زيادة الإخبار بالواقع عين سلوك الأدب" [27]. ومن العلماء من قال بعدم ذكر لفظ السيادة في الصلاة الإبراهيمية في الصلاة لأنها توقيفية لكن لا مشاحة خارج الصلاة، فالأخبار والآثار فيها دلائل واضحة، "والبراهين لائحة على جواز ذلك-أي ذكر لفظ السيادة- وإن من منع منه مانع دفع على إقامة الدليل. والله يقول الحق و يهدي السبيل" [28].

فالإكثار من الصلاة والسلام على النبي المختار يفتح الله به أبواب الخير، فالصلاة عليه تشرح الصدور، وتزيل الهموم، وترفع مقام العبد، فيسمو بها إلى الدرجات العلى والمنازل الشريفة، وقد جاءت الأحاديث مستفيضة في هذا، توضح فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وتبين مكانة المكثر من الصلاة عليه. وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه "جلاء الإفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام" أكثر من ثلاثين فائدة وثمرة تحصل للمؤمن بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم "امتثال لأمر الله سبحانه وتعالى وموافقته سبحانه في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، وموافقة ملائكته فيها، ثم حصول عشر صلوات من الله على المصلي مرة، وأنه يرفع عشر درجات، ويكتب له عشر حسنات ويمحى عنه عشر سيئات. ويرجى إجابة دعائه إذا قدمها أمامه، فهي تصاعد الدعاء إلى عند رب العالمين. وهي سبب لشفاعته صلى الله عليه وسلم إذا قرنها بسؤال الوسيلة له أو أفردها وسبب لغفران الذنوب، وهي سبب لكفاية الله العبد ما أهمه، وسبب لقرب العبد منه صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، وهي تقوم مقام الصدقة لذي العسرة، وسبب لقضاء الحوائج، وأنها سبب لصلاة الله على المصلي وصلاة ملائكته عليه، فهي زكاة للمصلي وطهارة له" ."

والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم سبب لتبشير العبد بالجنة قبل موته، وسبب للنجاة من أهوال يوم القيامة، وبها يرد النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة والسلام على المصلي والمسلم عليه، وبها يذكر العبد ما نسيه" ."

وهي سبب لطيب المجلس بأن لا يعود حسرة على أهله يوم القيامة حيث تنجي من نتن المجلس، وهي سبب لنفي الفقر واسم البخل إذا صلى عليه عند ذكره صلى الله عليه وسلم فبها يخرج العبد عن الجفاء. وهي ترمي صاحبها على طريق الجنة وتخطئ بتاركها عن طريقها. وهي سبب لتمام الكلام الذي ابتدئ بحمد الله والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم، ولوفور نور العبد على الصراط، وأنها سب لإبقاء الله سبحانه الثناء الحسن للمصلي عليه بين أهل السماء والأرض: لأن المصلي طالب من الله أن يثني على رسوله ويكرمه ويشرفه، والجزاء من جنس العمل، فلا بد أن يحصل للمصلي نوع من ذلك..." .

"كما يحصل بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم البركة في ذات المصلي وعمله وعمره، وأسباب مصالحه وهي سبب لنيل رحمة الله له، لأن الرحمة إما بمعنى الصلاة كما قاله طائفة، وإما من لوازمها وموجباتها على القول الصحيح، فلا بد للمصلي عليه من رحمة تناله" ."

والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم دوام لمحبته وزيادتها وتضاعفها. فكلما أكثر العبد من ذكر المحبوب، واستحضاره في قلبه، واستحضار محاسنه ومعانيه الجالبة لحبه، تضاعف حبه له وتزايد شوقه إليه، واستولى على جميع قلبه، وإذا أعرض عن ذكره وإحضار محاسنه بقلبه، نقص حبه من قلبه، ولا شيء أقر لعين المحب من رؤية محبوبه، ولا أقر لقلبه من ذكره وذكر محاسنه، وتكون زيادة ذلك ونقصانه بحسب زيادة الحب ونقصانه في قلبه..." [29].

إن المكثر من الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم يضرب الدليل القاطع والبرهان الساطع على محبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والحبيب صلى الله عليه وسلم يبشره بأنه مع من أحب. فقد أخرج الشيخان عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، كيف تقول في رجل أحب قوماً، ولم يلحق بهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"المرء مع من أحب" .

اللهم أرزقنا حبك وحب نبيك وكل عمل يقربنا إلى حبك. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه وحزبه.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
----------------------------------------------------------------------------------
[1]  الأعراف: 156-157
[2]  الأحزاب: 56.
[3]  تفسير القرآن ن العظيم، الحافظ ابن كثير: (3/508).
[4]   جلاء الإفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام، ص: 46.
[5]   كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى، القاضي عياض، ص: 288 (بتصرف).
[6]   النساء: 65.
[7]   المنهاج النبوي تربية و تنظيما وزحفا، ذ. عبد السلام ياسين، ص: 164.
[8]   الصلات والبشر في الصلاة على خير البشر، للفيروز آبادي، ص: 6.
[9]   الأحزاب: 56.
[10]   قال أبو عيسى الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وأخرجه أحمد والحاكم وصححه.
[11]   أخرجه أبو داود بإسناد صحيح وأخرجه أحمد وصححه ابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي.
[12]   أخرجه الترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم.
[13]   أخرجه ابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما والبيهقي في الشعب من حديث أبي هريرة وابن أبي حاتم من حديث جابر والطبراني من حديث حسين بن علي وهذه الطرق يشد بعضها بعضا.
[14]   أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[15]   الفتح الباري، ابن حجر العسقلاني: (11/ 167).
[16]   الترغيب والترهيب: (2/55).
[17]   أفضل الصلوات على أفضل السادات، يوسف بن إسماعيل النبهاني، ص: 54.
[18]   فتح المغيث للسخاوي: (2/171).
[19]   المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا، ص: 50.
[20]   أخرجه ابن شاهين في الترغيب والضياء في الأحاديث المختارة، وهو وإن كان ضعيف الإسناد إلا أنه يؤخذ بمثله في فضائل الأعمال.
[21]   أخرجه ابن ماجه وأحمد وحسنه المنذري وابن حجر.
[22]   ينظر الفتح الباري: (11/166).
[23]   أخرجه أبو داود والبيهقي.
[24]   علوم الحديث لابن الصلاح ص: 188.
[25]   الصلات والبشر في الصلاة على خير البشر،للفيروز آبادي، ص: 133.
[26]  تاريخ بغداد للخطيب البغدادي: (4-375).
[27]   الفقه الإسلامي وأدلته، د. وهبة الزحيلي 1/721.
[28]   الصلات والبشر في الصلاة على خير البشر، ص: 151.
[29]   جلاء الإفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام، ص: 205 - 208 بتصرف.

شارك الموضوع

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق