ما إن تسمع مقولة "اطلبوا العلم ولو في الصين" حتى يتبادر إلى ذهنك سُور الصين العظيم، ذلك الأثر الخالد الذي مَيَّز البلاد لقرون عديدة، والذي يشبه التنين الصيني، متلويا ومخترقا آلاف الكيلومترات بين السهول والوديان والغابات، ومتسلقا الجبال الشاهقة في شموخ، بلا كلل، حتى يبدو للناظر كأنه لا ينتهي آبداً.
يرجع تاريخ بناء سور الصين العظيم إلى عدة قرون قبل الميلاد، إذ كانت الصين مقسمة إلى عدة مناطق شاسعة وخاضعة لعدد من الحكام المحليين، وكانت قبائل المغول تعيث فيها فسادا، مسببة الخسائر الكبيرة في الأرواح والممتلكات.
ولصد هذا الخطر، قامت بعض الجهات الصينية، وخصوصا المقاطعات الشمالية منها، منذ القرن السادس قبل الميلاد، ببناء أسوار طينية على حدودها لوقف الغزاة وإبعادهم. وقد شكلت تلك الأسوار المتفرقة النواة الأولى لسور الصين العظيم.
بنى الإمبراطور "تشين شي هوانغ" الجزء الأول من السور، وخصص لتلك الغاية الموارد العظيمة، ولكن، ومع مرور الوقت، تم تدمير معظمه. وفي القرن الخامس عشر ميلادي قامت أسرة "مينغ" ببناء ما نعرفه اليوم باسم سور الصين العظيم، كما أولت اهتمامًا وعناية كبيرة به، وتم في عهدها ترميم أكثر أجزائه القديمة، وبناء أجزاء أخرى جديدة.
وفي عام 1644، تمكن "المانشو" من عبور بوابات السور التي فتحت لهم من الداخل، ثم تقدموا بسرعة نحو العاصمة بكين، فاحتلوها وأسسوا سلالة "تشينك"، التي حكمت الصين حتى الحرب العالمية الأولى في القرن الماضي.
يعتبر سور الصين العظيم، الذي وصل طوله إلى أكثر من 5000 كلم، مشروعا دفاعيا عسكريا ورمزا للأمة الصينية، بذل فيه الأسلاف العَرَقَ والدماء؛ كما يعتبر مشروع دفاعيا متكاملا يتكون من الحيطان الدفاعية وأبراج المراقبة والممرات الإستراتيجية وثكنات الجنود وأبراج الإنذار وغيرها من المنشآت الدفاعية.
واليوم لم تتبق من السور سوى أقسام قليلة بحالة جيدة، خاصة في المنطقة الشرقية القريبة من بكين العاصمة، إذ تمتد عدة كيلومترات، وهي من أقوى أجزاء السور، وأكثرها تحصينًا. كما تولي السلطات المحلية للمدينة اهتماما بالغا بالسور، للحفاظ على ما تبقى منه.
سور الصين العظيم أحد أهم مواقع التراث العالمي، وقد اختير واحدًا من أبرز عجائب الدنيا السبع الجديدة في العالم، وأصبح من أهم المآثر التي لابد من رؤيتها بالنسبة للزوار والسائحين، إذ يتوافد إليه الناس من جميع أنحاء العالم، وعلى طول العام.. فإذا زرت مدينة بكين ولم تزر سور الصين العظيم، فكأنك لم تزر الصين.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق