عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً " رواه البخاري (1923) ومسلم
(1095).
الحديث دليل على أن الصائم مأمور بالسحور لأن فيه خيراً كثيراً وبركة عظيمة دينية
ودنيوية ، وذكره صلى الله عليه وسلم للبركة من باب الحض على السحور ، والترغيب فيه
..
والسَّحور بفتح السين ما يؤكل في وقت السحر ، وهو آخر الليل ..
وبضم السين ( السُحور ) أكل السحور .
عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "
مَنْ أَرَادَ أَنْ يَصُومَ فَلْيَتَسَحَّرْ بِشَيْءٍ " رواه أحمد (14533)
وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2309)
وهذا الأمر في الحديث أمر استحباب لا أمر إيجاب بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم
واصل وواصل أصحابه معه ، والوصال أن يصوم يومين فأكثر فلا يفطر بل يصوم النهار مع
الليل .
وفي السحور بركة عظيمة تشمل منافع الدنيا والآخرة ..
1- فمن بركة السحور التقوي على العبادة ، والاستعانة على طاعة الله تعالى أثناء
النهار من صلاة وقراءة وذكر ، فإن الجائع يكسل عن العبادة كما يكسل عن عمله اليومي
وهذا محسوس .
2- ومن بركة السحور مدافعة سوء الخلق الذي يثيره الجوع ، فالمتسحر طيب النفس حسن
المعاملة .
3- ومن بركة السحور أنه تحصل بسببه الرغبة في الازدياد من الصيام لخفة المشقة فيه
على المتسحر ، فيرغب في الصيام ولا يتضايق منه .
4- ومن بركة السحور إتباع السنة ، فإن المتسحر إذا نوى بسحوره امتثال أمر النبي
صلى الله عليه وسلم والاقتداء بفعله كان سحوره عبادة ، يحصل له به أجر من هذه
الجهة وإذا نوى الصائم بأكله وشربه تقوية بدنه على الصيام والقيام كان مثاباً على
ذلك .
5- ومن بركة السحور أن الإنسان يقوم آخر الليل للذكر والدعاء والصلاة وذلك مظنة
الإجابة ووقت صلاة الله والملائكة على المتسحرين لحديث أبي سعيد رضي الله عنه
الآتي قريباً .
6- ومن بركة السحور أن فيه مخالفة لأهل الكتاب والمسلم مطلوب منه البعد عن التشبه
بهم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " فصل ما بين صيامنا وصيام أهل اكتاب
أكلة السحور " .
7- ومن بركة السحور صلاة الفجر مع الجماعة ، وفي وقتها الفاضل ، ولذا تجد أن
المصلين في صلاة الفجر في رمضان أكثر منهم في غيره من الشهور ، لأنهم قاموا من أجل
السحور .
فينبغي للصائم أن يحرص على السحور ولا يتركه لغلبة النوم أو غيره وعليه أن يكون
سهلاً ليناً عند إيقاظه للسحور ، طيب النفس ، مسروراً بامتثال أمر رسول الله صلى
الله عليه وسلم حريصاً على الخير والبركة ؛ ذلك لأن نبينا صلى الله عليه وسلم أكد
السحور ، فأمر به وبين أنه شعار صيام المسلمين والفارق بين صيامهم وصيام أهل
الكتاب ونهى عن تركه .
ويحصل السحور بأقلَّ ما يتناوله الإنسان من مأكول أو مشروب ، فلا يختص بطعام معين
..
وعن أبي هريرة رض الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نعم
سحور المؤمن التمر " رواه أبو داوود(2345) وصححه الألباني في صحيح أبي داوود
.
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " السُّحُورُ أَكْلَةٌ بَرَكَةٌ فَلا تَدَعُوهُ وَلَوْ
أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جَرْعَةً مِنْ مَاءٍ فَإِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ
يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ " رواه أحمد (11003) وحسنه الألباني في
صحيح الجامع (3683) .
أفضل وقت للسحور ..
عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : " تَسَحَّرْنَا مَعَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ
قُلْتُ كَمْ كَانَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالسَّحُورِ قَالَ قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةً
" رواه البخاري (1921) ومسلم (1097)
هذا الحديث دليل على أنه يستحب تأخير السحور إلى قبيل الفجر ، فقد كان بين فراغ
النبي صلى الله عليه وسلم ومعه زيد رضي الله عنه من سحورهما ، ودخولهما في الصلاة
قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية من القرآن ، قراءة متوسطة لا سريعة ولا بطيئة ، وهذا
يدل على أن وقت الصلاة قريب من وقت الإمساك .
والمراد بالأذان هنا الإقامة ، سميت أذاناً لأنها إعلام بالقيام إلى الصلاة ، وقد
ورد في صحيح البخاري(576) أنه قيل لأنس – راوي الحديث - : " كَمْ كَانَ بَيْنَ
فَرَاغِهِمَا مِنْ سَحُورِهِمَا وَدُخُولِهِمَا فِي الصَّلاةِ قَالَ قَدْرُ مَا
يَقْرَأُ الرَّجُلُ خَمْسِينَ آيَةً "
وتعجيل السحور من منتصف الليل جائز لكنه خلاف السنة ، فإن السحور سمي بذلك لأنه
يقع في وقت السحر وهو آخر الليل .
والإنسان إذا تسحر نصف الليل قد تفوته صلاة الفجر لغلبة النوم ، ثم إن تأخير
السحور أرفق بالصائم وأدعى إلى النشاط ؛ لأن من مقاصد السحور تقوية البدن على
الصيام ، وحفظ نشاطه ، فكان من الحكمة تأخيره .
فينبغي للصائم أن يتقيد بهذا الأدب النبوي ، ولا يتعجل بالسحور .
ومن آداب الصيام التي نصَّ عليها أهل العلم ألا يسرف الصائم في وجبة السحور ،
فيملأ بطنه بالطعام ، بل يأكل بمقدار ، فإنه ما ملأ آدمي وعاءً شراً من بطن .
ومتى شبع وقت السحر لم ينتفع بنفسه إلى قريب الظهر ، لأن كثرة الأكل تورث الكسل
والفتور ، وفي قوله صلى الله عليه وسلم : " نعم سحور المؤمن التمر "
إشارة إلى هذا المعنى ، فإن التمر بالإضافة إلى قيمته الغذائية العالية فهو خفيف
على المعدة سهل الهضم ، والشبع إذا قارنه سهر بالليل ونوم بالنهار فقد فات به
المقصود من الصيام والله المستعان .
اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم ، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق