.



الصفحات

الزيارات:
شعبان.. موسم الخيرات

يتعهدنا ربنا عز وجل بمواسم الخير مرة بعد مرة حتى نغنم لآخرتنا من دنيانا، وحتى لا تركن نفوسنا إلى الدعة، ولا تأنس بالغفلة عن التعرض لنفحاته سبحانه.
روى النسائي عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت يا رسول الله: لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: “ذاك شهر تغفل الناس فيه عنه، بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم”.
فما أعظمه من شهر يتوسط شهرين عظيمين (رجب وهو من الأشهر الحرم، ورمضان وهو غُرّة العام وربيع المؤمنين)، ويغفل عنه الناس، إذ المقبلون على بابه قليل والعطاء كثير، وفيه تُرفع أعمال العبد إلى الله تعالى زكية إن زكاها بالصيام.
وعن أبي سلمة أن “عائشة” رضي الله عنها حدثته قالت: “لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهرا أكثر من شعبان، فإنه كان يصوم شعبان كله” وفي رواية: “لم يكن صلى الله عليه وسلم يصوم من السنة شهرا تاما إلا شعبان يصل به رمضان” ولفظ ابن ماجة: كان يصوم شعبان ورمضان. والمراد بصوم التمام والكل: الأكثر، كما نقل ذلك الإمام الترمذي عن ابن المبارك قوله: وجائز في كلام العرب إذا صام أكثر الشهر أن يقول صام الشهر كله.
ومن أهم فضائل شهر شعبان أن يتهيأ فيه العبد بالصيام والقيام حتى يتعودَ القلب والجوارح مكابدة الطاعات والقربات في شهر القرآن، فلا يَصْعُبَ عليه قياد نفسه فيه، ولا يَجِدَ من العجز والكسل والتسويف ما يحرمه من نفحاته وخيراته وبركاته.
اللهم بارك لنا في شعبان، وبلغنا رمضان.

شارك الموضوع

الزيارات:
فضل ليلة النصف من شعبان

عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن” 1.
اعلم أخي المسلم أنه قد وردت مجموعة من الأحاديث في ليلة النصف من شعبان منها ما هو ضعيف ومنها ما هو حسن ولكنها بمجموعها تثبت أن لهذه الليلة فضيلة وأصلا مشروعا:
وقد قال المباركفوري في تحفته: (اعلم أنه قد ورد في فضيلة ليلة النصف من شعبان عدة أحاديث مجموعها يدل على أن لها أصلاً).
ثم قال بعد سرده للأحاديث: (فهذه الأحاديث بمجموعها حجة على من زعم أنه لم يثبت في فضيلة ليلة النصف من شعبان شيء والله تعالى أعلم).
يقول الحافظ ابن رجب: (اخْتُلِفَ فيها فضعفها الأكثرون، وصحح ابن حبان بعضها، وخرجه في صحيحه) 2.

شارك الموضوع

الزيارات:
أسئلة في صوم شهرشعبان

يستحب صوم شهر شعبان لما جاء في الصحيحين عن أمنا عائشة قالت: “ما رأيت رسول الله استكمل صيام شهر قط إلاّ رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صياما منه في شعبان” وزاد البخاري “كان يصوم شعبان كلّه”.
وعن أم سلمة قالت: “ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان”.

هل صام صلى الله عليه وسلم شعبان كله أم معظمه؟

قال النووي: (وقولها كان يصوم شعبان كله كان يصومه إلا قليلا الثاني تفسير للأول، وبيان أن قولها كله أي غالبه، وقيل: كان يصومه كله في وقت ويصوم بعضه في سنة أخرى وقيل كان يصوم تارة من أوله وتارة من آخره وتارة بينهما وما يخلى منه شيئا بلا صيام لكن في سنين. فان قيل سيأتي قريبا في الحديث الآخر إن أفضل الصوم بعد رمضان صوم المحرم فكيف أكثر منه في شعبان دون المحرم فالجواب لعله لم يعلم فضل المحرم إلا في آخر الحياة قبل التمكن من صومه أو لعله كان يعرض فيه أعذار تمنع من إكثار الصوم فيه كسفر ومرض وغيرهما).
وقال الترمذي: (قال عبد الله بن المبارك: جائز في كلام العرب أن يقال: صام الشهر كله إذا صام أكثره إن شاء الله).
وقال الزرقاني ويكفي نقل ابن المبارك له عن العرب. ومن حفظ حجة. (وبنحوه قال الشوكاني وزاد مدلّلا: ويقال قام فلان ليلته أجمع ولعلّه قد تعشّى واشتغل ببعض أمره).
وقيل لم يصمه كلّه لئلا يظنّ وجوبه.
وقال الزرقاني في شرح الموطأ: (وجمع أيضا بأنّ قولها: كان يصوم شعبان كلّه) محمول على حذف أداة الاستثناء والمستثنى، أي إلا قليلا.

ما الحكمة من صومه؟

قيل في تخصيص شعبان بكثرة الصوم لكونه ترفع فيه أعمال العباد. فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: “شعبان بين رجب ورمضان يغفل عنه كثير من الناس، ترفع فيه الأعمال إلى الله، فأحبّ أن لا يرفع عملي إلا وأنا صائم” الصحيحة (4/1898).
وفي الحديث فائدة عزيزة ذكرها ابن رجب في اللطائف: (فيه استحباب عمارة أوقات الغفلة بالطاعة وأنّ ذلك محبوب إلى الله).
ومن ذلك قيام الليل حين ينام الناس، والعبادة في الهرج والفتن…
وذكر بعضهم له حكما أخرى منها:
– أنّه قريب من رمضان فكان بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض.
– أنّ صيام شعبان كالتَّمْرينِ على صيام رمضان لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة.
– أنّه يجد بصيام شعبان حلاوة الصيام ولذته فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط.

لماذا أكثر النبيّ صلى الله عليه وسلم من صوم شعبان؟

قال النووي: (وقد سبق الجواب عن إكثار النبي صلى الله عليه وسلم من صوم شعبان دون المحرم وذكرنا فيه جوابين أحدهما: لعله إنما علم فضله في آخر حياته. والثاني: لعله كان يعرض فيه أعذار من سفر أو مرض أو غيرهما).

ما حكم صوم النصف الثاني من شعبان؟

اختلف العلماء في صيام النصف الثاني من شعبان لما جاء عند أصحاب السنن عن أبي هريرة؛ عن النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا انتصف شعبان فلا تصوموا”. فمنهم من ضعّفه، وردّه بحديث “لا تقدّموا رمضان بصوم يوم أو يومين”، ومنهم من رجّحه.
أما تضعيفه فلا سبيل إليه فقد رجّح المحققون أنّه صحيح منهم الترمذي، وابن حبان، والحاكم وابن عبد البر وانظر صحيح الجامع للألباني (397)، والمشكاة (1/1974)، وأما حديث تقديم رمضان فقد تكلمنا عليه.
ومن رجّح قال: ينهى عن ابتداء التطوّع بالصيام بعد النصف لمن ليس له عادة. وقدّموا النهي الصريح على الاستحباب كما هو معمول به في الأصول.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان رسول الله يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم وما رأيت رسول الله استكمل صيام شهر إلا رمضان وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان” رواه البخاري برقم (1833) ومسلم برقم (1956)، وفي رواية لمسلم برقم (1957): “كان يصوم شعبان كله ، كان يصوم شعبان إلا قليلا”، وقد رجح طائفة من العلماء منهم ابن المبارك وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستكمل صيام شعبان، وإنما كان يصوم أكثره، ويشهد له ما في صحيح مسلم برقم (1954) عن عائشة رضي الله عنها، قالت: “ما علمته – تعني النبي صلى الله عليه وسلم – صام شهرا كله إلا رمضان” وفي رواية له أيضا برقم (1955) عنها قالت: “ما رأيته صام شهرا كاملا منذ قدم المدينة إلا أن يكون رمضان”، وفي الصحيحين عن ابن عباس قال: “ما صام رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا كاملا غير رمضان” أخرجه البخاري رقم 1971 ومسلم رقم 1157، وكان ابن عباس يكره أن يصوم شهرا كاملا غير رمضان، قال ابن حجر رحمه الله: كان صيامه في شعبان تطوعا أكثر من صيامه فيما سواه وكان يصوم معظم شعبان.
وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان، فقال: “ذاك شهر تغفل الناس فيه عنه، بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم” رواه النسائي، أنظر صحيح الترغيب والترهيب ص 425، وفي رواية لأبي داود برقم (2076) قالت: “كان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصومه شعبان ثم يصله برمضان” صححه الألباني انظر صحيح سنن أبي داوُد 2/461.
قال ابن رجب رحمه الله: صيام شعبان أفضل من صيام الأشهر الحرم، وأفضل التطوع ما كان قريب من رمضان قبله وبعده، وتكون منزلته من الصيام بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها وهي تكملة لنقص الفرائض، وكذلك صيام ما قبل رمضان وبعده، فكما أن السنن الرواتب أفضل من التطوع المطلق بالصلاة فكذلك يكون صيام ما قبل رمضان وبعده أفضل من صيام ما بَعُد عنه.

ما حكم تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين؟

يرجع الخلاف في هذه المسألة إلى قوله عليه الصلاة والسلام: “هل صمت من سرر شعبان؟ قال: لا. قال: فإذا أفطرت فصم يومين مكانه”. رواه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم، ومخالفته لحديث عمران: “لا تقدّموا رمضان بيوم أو يومين، إلا من كان يصوم صوما فليصمه”.
ورجح أهل التحقيق عدم جواز صوم يوم أو يومين قبل رمضان إلا من له عادة كصوم الاثنين والخميس، أو صوم يوم بيوم ونحوهما، وقالوا عن حديث السرر إنّ الرجل كان معتادا لصوم سرر الشهر أو كان نذره فلذلك أمره بقضائه.
قال ابن رجب في لطائفه: (وعلى هذا فيرجح حديث أبي هريرة، على حديث عمران؛ فإنّ حديث أبي هريرة فيه نهي عام للأمة عموما فهو تشريع عام للأمة فيعمل به. وأما حديث عمران فهي قضية عين في حق رجل معين فيتعين حمله على صورة صيام لا ينهى عن التقدّم به جمعا بين الحديثين.)
وقال النووي بعد ذكر الخلاف في معنى السرر: (والأشهر أن المراد آخر الشهر كما قاله أبو عبيد والأكثرون وعلى هذا يقال هذا الحديث مخالف للأحاديث الصحيحة في النهي عن تقديم رمضان بصوم يوم ويومين ويجاب عنه بما أجاب المازري وغيره وهو أن هذا الرجل كان معتاد الصيام آخر الشهر أو نذره فتركه بخوفه من الدخول في النهى عن تقدم رمضان فبين له النبى صلى الله عليه وسلم أن الصوم المعتاد لا يدخل في النهي وإنما ننهى المعتاد والله أعلم).
وقيل في الحكمة من ذلك: إنّه أمر بذلك للتقوي على صيام رمضان فإنّ مواصلة الصيام قد تضعف عن صيام الفرض وهذا التعليل ردّه ابن الجوزي في لطائف المعارف.

شارك الموضوع

الزيارات:
شعبان.. منحة ربانية!


مضى شهر رجب الحرام، وأظلنا شهر كريم حبيب إلى حبيبنا المصطفى عليه أفضل الصلوات وأزكى السلام. شهر شعبان، وندعو بالدعاء المأثور: (اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان).
سمي بشعبان لأن العرب كانوا يتشعبون فيه لطلب المياه، وقيل تشعبهم في الغارات، وقيل لأنه شعب أي ظهر بين رجب ورمضان. وفيه صرفت القبلة على رأس ثمانية عشر شهرا من مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة حسب رواية ابن إسحاق وبه قال الجمهور الأعظم.
وشهرنا هذا الذي هل هلاله على المسلمين في أنحاء المعمور، شهر البركة والخير، وهو بوابة شهر رمضان المبارك، يشرع فيه ما يشرع في رمضان من صيام وقراءة القرآن، ونوافل الطاعات “وما زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه”، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر الصيام فيه أكثر من غيره. فعن أبي سلمة أن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل شهرا قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر منه صياما في شعبان” 1. (وفي لفظ قالت رضي الله عنها: “لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يصوم شهرا أكثر من شعبان فإنه كان يصومه كله” 2 والمراد بالكل الأكثر وهو مجاز قليل الاستعمال كما جاء في فتح الباري، زاد ابن أبي لبيد عن أبي سلمة: “ما كان يصوم في شهر ما كان يصوم في شعبان، كان يصومه إلا قليلا” 3.

شارك الموضوع

الزيارات:
الاحتفال بالمولد الشريف

بقلم: الدكتور محمد جعواني
المولد الشريفكلما حلت ذكرى مولد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كلما تجدد السؤال عن مشروعية الاحتفال بالمولد الشريف.
ويصر" البعض" على اعتبار الاحتفال بالمولد من البدع المحدثة قولا واحدا، مثله مثل "القراءة الجماعية "، واستعمال"السبحة" في الذكر، والاجتماع "لقيام الليل"... و اللائحة طويلة.
والحوار العلمي مع هؤلاء "البعض" يحتاج أولا توضيح وضبط المفاهيم والمصطلحات.
يستدل المبدعون بدليل "الترك" فيقولون "ما ثبتت تلك الأفعال عن النبي صلى الله عليه وسلم و لا عن صحابته الكرام". 
والجواب عن هذا "الدليل" هو قول الأصوليين أن "الترك لا يفيد الحظر" بمعنى: ليس كل ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم يعتبر محرما ومحظورا. فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يترك الشيء خشية أن يفرض على أمته كما قالت أمنا عائشة رضي الله عنها. 

شارك الموضوع

الزيارات:
حكم الاحتفال بذكرى المولد النبوي

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه

انقسم العلماء في الاحتفال بالمولد النبوي الشريف إلى فريقين متعارضين، الأول يقول ببدعيته، والثاني يحكم أن هذا الاحتفال مباح، ومأجور مقيمه. ولكل من الفريقين دفوعات وأدلة يستند إليها.

أولا: أدلة القائلين ببدعية الاحتفال بذكرى المولد النبوي

أفتى ثلة من أجلة العلماء بعدم جواز الاحتفال بالمولد النبوي، من جملتهم شيخ الإسلام ابن تيمية، والإمام الشاطبي، وابن الحاج المالكي، والشيخ ابن باز، وغيرهم من الأئمة رحمهم الله. ويستندون في ذلك الحكم إلى مجموعة من الأدلة نجملها في النقاط التالية:

1- أن الاحتفال بالمولد لا أصل له في الكتاب والسنة، ولم يقمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة ولا أحد في القرون الثلاثة الفاضلة. قال العلامة الفاكهاني: "ولا أعلم لهذا المولد أصلاً في كتاب ولا سنة" [1]. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إنّ هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضي له، وعدم المانع منه، ولو كان هذا خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف ـ رضي الله عنهم ـ أحقّ به منّا، فإنّهم كانوا أشدّ محبّة لرسول الله (صلّى الله عليه وسلم) وتعظيماً له منّا، وهم على الخير أحرص" [2].

2- ويتفرع عن الدليل الأول حجة المانعين الثانية القائلين فيها أن المولد بدعة محدثة، قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: "لا يجوز الاحتفال بمولد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولا غيره؛ لأن ذلك من البدع المحدثة في الدين؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يفعله، ولا خلفاؤه الراشدون، ولا غيرهم من الصحابة- رضوان الله على الجميع- ولا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة، وهم أعلم الناس بالسنة، وأكمل حباً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومتابعة لشرعه ممن بعدهم" [3].

3- أن إقامة المولد تشبه بدين النصارى، الذين يحتفلون بعيد ميلاد المسيح عليه السلام، وقد نهينا عن التشبه بهم، كما قال صلى الله عليه وسلم: "ومن تشبه بقوم فهو منهم" [4].

4- أن الفرح بهذا وإظهار السرور، فيه قدح في محبة العبد لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم، إذ هذا اليوم باتفاق هو اليوم الذي توفي فيه النبي صلى الله عليه وسلم فكيف يفرح فيه. ويقول ابن الحاج: "ثم العجب العحيب كيف يعملون المولد للمغاني والفرح والسرور لأجل مولده عليه الصلاة والسلام كما تقدم في هذا الشهر الكريم وهو عليه الصلاة والسلام فيه انتقل إلى كرامة ربه عز وجل وفجعت الأمة فيه وأصيبت بمصاب عظيم لا يعدل ذلك غيرها من المصائب أبداً فعلى هذا كان يتعين البكاء والحزن الكثير وانفراد كل إنسان بنفسه لما أصيب به" [5].

5- اشتمال هذه الموالد على كثير من الكبائر وعظائم الأمور والتي يجد فيها أصحاب الشهوات بغيتهم مثل: الطرب والغناء الماجنين واختلاط الرجال بالنساء، وتناول المحرمات. قال العلامة سيدي محمد البناني في معرض حديثه عن إبطال الإيصاء بالمعصية: "أَوْ يُوصِيَ بِإِقَامَةِ مَوْلِدٍ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَقَعُ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ مِنْ اخْتِلَاطِ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ وَالنَّظَرِ لِلْمُحَرَّمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْمُنْكَرِ" [6].

6- تخصيص المولد بيوم للاحتفال به بدعة، يقول صالح الفوزان: "إن عموم الدليل يقتضي أن تكون جميع الأيام بالنسبة للاحتفال سواسية، فتخصيص يوم واحد في جميع البلاد بالاحتفال بدعة، وإن لم يكن أصل العمل بدعة" [7].

7- أن الاحتفال بالمولد هو من الغلو في الدين، إذ يرفع بعض المحتفلون رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مرتبة الألوهية[8].

8- أن العبادات مبنية على التوقيف من الشارع، ولا مجال فيها للاجتهاد.

ثانيا: ردود مجيزي الاحتفال بالمولد النبوي وأدلتهم

أجاز جمهور من أكابر العلماء الاحتفال بذكرى المولد النبوي، ومن بينهم شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني، والحافظ السيوطي، والحافظ السخاوي، وابن عاشر المالكي، وابن مرزوق، والشيخ سعيد حوى، والشيخ يوسف القرضاوي، وغيرهم من علماء الأمة. ويجيبون على أدلة المانعين بما يلي:

1- ترك النبي لا يدل على التحريم؛ فإنه من المعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفعل جميع المندوبات والمباحات، لذلك تحريم كل ما تركه لا يعد مقبولا وسائغا، حيث لا يحق لأحد أن يحرم على نفسه أو على غيره "إلا بدليل صحيح واضح، وإلا فهو معتد ومبتدع ومتنطع" [9] وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه" يؤيد هذا، إذ لم يقل: وإذا تركت شيئا فاتركوه، وهذا دليل على أن ما تركه النبي ولم يفعله يبقى على أصله؛ وهو الإباحة؛ ولو قلنا بحرمة كل متروكات النبي لضيقنا دائرة الإباحة ووسعنا دائرة التحريم، وهذا عين المشقة ورأس الحرج الذي نفاهما الله عن هذا الدين القائم على التيسير.

ولذلك يقول المستشار فيصل مولوي: "إن ذلك (أي الاحتفال بالمولد النبوي) جائز شرعاً ولو لم يكن له أصل بمعنى أنّه لم يحتفل به الصحابة والتابعون ولا تابعو التابعين من أهل الفقه في الدين وهم خير القرون" [10].

2- ولا يصح الاستدلال بعدم احتفال الصحابة رضي الله عنهم بالمولد النبوي على عدم جواز ذلك، لأنهم رضي الله عنهم عاشوا تلك الأحداث بالفعل كما يقول الدكتور يوسف القرضاوي: "وكانوا يحيون مع الرسول صلى الله عليه وسلم، كان الرسول صلى الله عليه وسلم حياً في ضمائرهم، لم يغب عن وعيهم، كان سعد بن أبي وقاص يقول: كنا نروي أبناءنا مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نحفِّظهم السورة من القرآن، بأن يحكوا للأولاد ماذا حدث في غزوة بدر وفي غزوة أحد، وفي غزوة الخندق وفي غزوة خيبر، فكانوا يحكون لهم ماذا حدث في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يكونوا إذن في حاجة إلى تذكّر هذه الأشياء" [11].

وترك السلف (في القرون الثلاثة الفاضلة) لم يكن مقترناً بتحريم الاحتفال أو كراهيّته فغاية ما هناك أنّهم لم يفعلوا، وقد أمر الله بما في هذه الآية: وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ [12]. ولم يقل في حق النبي: (وما تركه فانتهوا عنه) فكيف الحال في حقّ السلف؟!

3- أما الزعم أنها بدعة محدثة وضلالة، فالعلم قائم أن البدعة هو إحداث أمر في الدين لا أصل له في الشرع، أو التعبد لله بغير الطريقة النبوية. وليس في إقامة المولد شيء من هذا، قال الحافظ السيوطي: "هو من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها لما فيه من تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف" . والصحيح أن تسمى سنة حسنة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء" [13]. ولقد سن الصحابة والخلفاء الراشدون من الأعمال ما لا خلاف حولها كصلاة تراويح رمضان، وكذاك الصحابي الذي يروي الحديث خبره: فقد أخرج البخاري رضي الله عنه في صحيحه عن رفاعة بن رافع الزرقي قال: "كنا يوما نصلي وراء النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رفع رأسه من الركعة قال: سمع الله لمن حمده قال رجل وراءه: ربنا ولك الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، فلما انصرف قال: من المتكلم أي ِأنّ النبيّ لما انتهى من صلاته سأل من المتكلم من الذي قال حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه فقال المتكلم أنا، قال صلى الله عليه وسلم: رأيت بضعة وثلاثين ملكًا يبتدرونَها أيهم يكتبها أول" . ومن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ" . وفي لفظ آخر: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ" . نفهم من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما ليس منه" أن المحدث إنما يكون ردًا أي مردودًا إذا كان على خلاف الشريعة، وأن المحدث الموافق للشريعة ليس مردودًا.

4- ثم "إنّ هذا الاحتفال ليس نوعا من العبادات التي يشرّعها الله، ولكنّه من أنواع العادات والأعراف التي يخترعها النّاس، ثمّ يأتي الشّرع بإباحتها إذا لم يكن فيها حرام، أو بمنعها إذا اشتملت على محرّمات. وبما أن ذكرى المولد في الأصل تذكير بسيرة الرّسول (صلَى الله عليه وسلَم) وأخلاقه فهي مباحة وفيها من الأجر إن شاء الله ما لا يخفى" [14].

5- أما القول بأن هذه الاحتفالات هي نوع من عبادة الأشخاص، كقول محمد حامد الفقي: "والمواليد والذكريات التي ملأت البلاد باسم الأولياء هي نوع من العبادة لهم وتعظيمهم" [15]، فمردود لأن العنصر المقوّم لصدق العبادة على العمل هو الاعتقاد بألوهية المعظّم له أو ربوبيّته، أو كونه مالك لمصير المعظّم المحتفل، وأن بيده عاجله وآجله، ومنافعه ومضارّه ولا أقل بيده مفاتيح المغفرة والشفاعة.

وأمّا إذا خلا التعظيم عن هذه العناصر، واحتفل بذكرى رجل ضحّى بنفسه ونفيسه في طريق هداية المحتفلين، فلا يعدّ ذلك عبادة له، وإن أقيمت له عشرات الاحتفالات، وألقيت فيها القصائد والخطب. ومن المعلوم أن المحتفلين المسلمين يعتقدون أن النبي الكريم عبد الله ورسوله، فلأجل تكريمه يقيمون الاحتفال أداءً لشكر النعمة.

6- أما القول في أن في الاحتفال تشبه بالنصارى فهو ظني يقول ابن تيمية: "وكذلك ما يحدثه بعض الناس إمّا مضاهاة للنصارى في ميلاد المسيح (عليه السلام)، وإمّا محبّة للنبي وتعظيماً له والله لقد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد لا على البدع" [16] نلاحظ أن شيخ الإسلام غير متأكد من أن الناس يقلدون النصارى بإحيائهم المولد، وذكر أنهم مثابون على المحبة والاجتهاد، لأن الأساس الذي ينبني عليه عمل المسلم هو الكتاب والسنة وحكم الشريعة، فلا تكون المضاهاة مانعة عن إتباع الكتاب والسنّة، وإن افترضنا أن أول من احتفل، احتفل تقليدا للنصارى إلا أن المحتفلين في هذه القرون براء من هذه التهمة.

7- أما تخصيص يوم بالاحتفال، يكون بدعة إذا اعتقد المحتفل وادّعى ورود الشرع به، أو حثّه على هذا التخصيص، فإن غاب هذا الاعتقاد انتفى الحكم ببدعية الاحتفال، ومعلوم أن جميع مجيزي الاحتفال بالمولد متفقون على جوازه في سائر الأيام. يقول سعيد حوى: "إن أصل الاجتماع على صفحة من السيرة أو على قصيدة في مدح رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ جائز ونرجو أن يكون أهله مأجورين، فأن يخصص للسيرة شهر يتحدث عنها فيه بلغة الشعر والحب فلا حرج. ألا ترى لو أن مدرسة فيها طلاب خصصت لكل نوع من أنواع الثقافة شهرا بعينه فهل هي آثمة، ما نظن أن الأمر يخرج عن ذلك" [17].

8- وقول ابن الحاج وغيره أن "هذه الاحتفالات مشتملة على أمور محرّمة في الغالب، كاختلاط النساء بالرجال" . لا يبيح تعميم الحكم على الاحتفالات البريئة من هذه المنكرات، ويذكر صاحب المعيار فتوى لابن عباد يقول فيها: "قال بعض الفضلاء: ...وما أنكر من أنكر ما يقع في هذا الزمان من الاجتماع (لإقامة المولد) في المكاتب للأطفال، إلا خيفة المناكر، واختلاط النساء والرجال، فأما إذا أمن ذلك، فلا شك في حسن ما يفعل من الاجتماع وذكر محاسنه، والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في سائر البقاع،... ولا يجوز تعظيم نبي الله تعالى إلا بما يرضيه ويرضي الله تعالى" [18].

9- ومن أدلة الإباحة القول بانعقاد الإجماع على جواز الاحتفال بالمولد النبوي، حيث أن أول إحياء للمولد كان في القرن الرابع، ولم يعترض أحد من العلماء حتى القرن السابع، وجاءت الأخبار بحضور جم غفير من الفقهاء إلى هذه الاحتفالات، ذكر ابن خلكان طرفاً من وصف الاحتفال بالمولد. فقال: "إن أهل البلاد كانوا سمعوا بحسن اعتقاده فيه (أي اعتقاد ملك إربل في المولد) فكان في كل سنة يصل إليه من البلاد القريبة من اربل مثل بغداد، والموصل، والجزيرة، وسنجار، ونصيبين، وبلاد العجم، وتلك النواحي، خلق كثير من الفقهاء، والصوفية، والوعاظ، والقراء، والشعراء" [19].

10- واستدل أيضا بأدلة عامة أخرى كثيرة منها ما في صحيح مسلم حين سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام الاثنين فقال: "ذاك يوم ولدت فيه" . وما ذكره السيوطي فيما رواه البيهقي عن أنس من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعد النبوة. وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي على نفسه، كل ذلك شكرانا لنعمة النبوة.

خلاصة

بعد عرض أدلة الفريقين يتبين أن ليس هناك دليل خاص يمنع من الاحتفال بالمولد النبوي، وأن جميع الأدلة العامة التي يقدمها المعارضون مردود عليها، ونخلص إلى القول بأنه: إذا خلا الاجتماع على إقامة المولد النبوي من المنكرات، فلا حرج فيه. بل فيه من الفوائد الكثيرة والجليلة ما يجعل مقيميه ممن يحيون ما أميت من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وذلك بذكر مناقبه صلى الله عليه وسلم وشمائله، ومدحه والصلاة عليه، وإظهار شكر هذه النعمة العظيمة، وهذه الرحمة المسداة. فلا حرج إذن في أن يعتمد شهر المولد كشهر تهيج فيه عواطف المحبة نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا حرج في أن يعتمد شهر المولد كشهر يكثر فيه الحديث عن شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
---------------------------------------------
[1]المورد في عمل المولد، ص 20-21.
[2]اقتضاء الصراط المستقيم، ص 293-294.
[3]رسائل في حكم الاحتفال بالمولد النبوي، ج1 ص 57.
[4]أخرجه أحمد (2/50، رقم 5114)، والحكيم (1/375)، والبيهقى فى شعب الإيمان (2/75، رقم 1199)، والطبرانى كما فى مجمع الزوائد (5/267) قال الهيثمى: فيه عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، وثقه ابن المدينى وأبو حاتم وغيرهما، وضعفه أحمد وغيره، وبقية رجاله ثقات .وأخرجه أيضًا: عبد بن حميد (ص 267، رقم 848)، وابن أبى شيبة (6/471، رقم 33016)، والطبرانى فى الشاميين (1/135 ، رقم 216).
[5]المدخل 2/15.
[6]حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، ج 19 / ص 390.
[7]صالح الفوزان، البدعة، ص17.
[8]انظر رسالة الاحتفال بالمولد بين الاتباع والابتداع لمحمد بن سعد بن شقير، رسائل في حكم الاحتفال بالمولد النبوي: ج2 / ص921.
[9]أحمد الريسوني، الكليات الأساسية للشريعة الإسلامية: 85.
[10]المستشار فيصل مولوي، نائب رئيس المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث.
[11]موقع الدكتور يوسف القرضاوي، http://www.qaradawi.net/site/topics/article.asp?cu_no=2&item_no=5852&version=1&template_id=130&parent_id=17[12]الحشر، الآية 7.
[13]رواه الطيالسى، وأحمد، ومسلم، والترمذى، والنسائى، وابن ماجه، والدارمى، وأبو عوانة، وابن حبان عن جرير.
[14]المستشار فيصل مولوي، انظر موقع إسلام اون لاين: http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?pagename=IslamOnline-Arabic-Ask_Scholar/FatwaA/FatwaA&cid=1122528612422#ixzz0fcv82hxl[15]محمد حامد الفقي في تعليقه على فتح المجيد: 154.
[16]ابن تيمية، اقتضاء الصراط المستقيم، ص293.
[17]من كتاب السيرة بلغة الحب والشعر للشيخ سعيد حوى رحمه الله.
[18]المعيار المعرب للونشريسي، ج11 / ص279.
[19]وفيات الأعيان، ج5 / ص117.
--------------------------------------------

بقلم: عبد الله المومني
http://www.aljamaa.net/ar/document/65236.shtml

شارك الموضوع

الزيارات:
شهر صفر الخير

في شهر صفر من السنة الرابعة للهجرة، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وفدا من خيرة المسلمين قوامه سبعون رجلا من القراء والفضلاء ليبلغوا الإسلام إلى قبائل نجد، تلبية لطلب أبي براء عامر بن مالك؛ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تخوف من غدر أهل نجد، وما أغنى حذر من قدر، إذ سرعان ما دارت دوائر المكر والخيانة، فاقتنصت فتية الدعوة، وقتلوا تقتيلا. ولم ينج منهم إلا كعبا بن زيد بن النجار الذي عاش حتى استشهد في غزوة الأحزاب.
سبعون رجلا من أطر الدعوة أبادهم غدر الكفر وحقد صناديده على الإسلام والمسلمين، حدث اهتز له كيانه صلى الله عليه وسلم، وحزن حزنا غير مسبوق، روى ابن سعد عن أنس رضي الله عنه"ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد على أحد ما وجد على أصحاب بئر معونة" ."
"
جاءت مجزرة بئر معونة في فترة حرجة عنوانها الكبير: إعادة بناء الذات ورص الجبهة الداخلية وتأهيل المسلمين استشرافا للمستقبل بعد هزة غزوة أحد، وما ترتب عنها من زعزعة للصف، في هذه الأجواء العصيبة، فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم جبهة جديدة يستمطر من خلالها نصر الله وتأييده لجنده. إنها جبهة الدعاء، فراح صلى الله عليه وسلم يقنت شهرا كاملا، ويدعو على المشركين المعتدين الغادرين الذين استباحوا دماء فتية الدعوة. ففي الصحيح عن أنس قال"دعا النبي صلى الله عليه وسلم على الذين قتلوا أصحابه ببئر معونة ثلاثين صباحا، يدعو في صلاة الفجر على رعل وذكوان ولحيان وعصية -المتورطين في المجزرة-، ويقول: عصية عصت الله ورسوله.." .
لجأ صلى الله عليه وسلم إلى الدعاء على الظالمين مستعصما بباب الديان القهار المنتقم الجبار، معلما صحابته والمسلمين وإخوانه ألا تجرفهم الأهوال، وتكالب الأعداء، وتنسيهم الأوبة إلى ربهم مفوضين أمرهم إليه؛ فقد تولى سبحانه نصرة أحبابه، والدفاع عن جنده. وفي حديث الولي"من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب.." ، وتوعد عز سلطانه أن يخزي الظالمين المستبيحين حرمة الدين والمؤمنين، وأن يحبط مخططاتهم، ويجعل عاقبتهم خسرا، يقول سبحانه في سورة آل عمرانإن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيئين بغير حق، ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم، أولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة، وما لهم من ناصرين .
القنوت لغة الدعاء، والدعاء مخ العبادة كما في الحديث، بما هو –الدعاء- افتقار واضطرار وخضوع بين يدي الحق سبحانه؛ لهذا كان من أهم شروط صحة الدعاء وضمان الاستجابة التضرع وانكسار القلب، وفي الحديث"أنا عند المنكسرة قلوبهم" .
وقد دلنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الصحابة على أوقات فاضلة للدعاء منها، ساعة يوم الجمعة وبين الأذان والإقامة ودبر الصلوات وفي السجود وعند الإفطار من الصوم، وأجلّ هذه الأوقات الثلث الأخير من الليل، يقول سبحانه في سورة آل عمرانالذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار، الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار .
أما القنوت الذي ارتبط بمجزرة بئر معونة في مثل هذا الشهر صفر، فقد ميزته السنة النبوية عن عموم الدعاء لهول المأساة، أخرج أبو داود وأحمد عن ابن عباس قال"قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا متتابعا في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح في دبر كل صلاة، إذا قال سمع الله لمن حمده من الركعة الآخرة يدعو على قبائل، على حي من بني سلم، على رعل وذكوان وعصية ويؤمن من خلفه" .
وقد شرع القنوت في النوازل والشدائد والضيق والضنك، حيث أخرج الشيخان عن أبي هريرة قال: لأقربن بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكان أبو هريرة يقنت في الركعة الآخرة من صلاة الظهر والعشاء الآخرة وصلاة الصبح بعدما يقول سمع الله لمن حمده، فيدعو للمؤمنين ويلعن أعداء الدين...
وقد ورد القنوت بالإجماع عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة والتابعين. وأورد ابن القيم في زاد المعاد أن أبا بكر رضي الله عنه قنت على مسيلمة والمرتدين، وقنت عمر رضي الله عنه، وقنت علي كرم الله وجهه على من حاربه من الخوارج وأهل الشام.
كان صلى الله عليه وسلم يذكر الأسماء، أسماء من يدعو لهم وأسماء من يدعو عليهم من الظالمين. أخرج البخاري عن أبي هريرة قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يصلي العشاء إذ قال: سمع الله لمن حمده، ثم قال قبل أن يسجد"اللهم نج الوليد بن الوليد اللهم نج المستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها عليهم سنين كسنين يوسف" .
وروي عن عمر رضي الله عنه وعن سائر الصحابة الكرام أنه كان يقول في القنوت"اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات وألف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم..." .
ويصح الدعاء بأية صيغة كانت، ومن الأدعية الجامعة التي وردت في القنوت"اللهم رب السماوات السبع وما أظلت، ورب الأرضين وما أقلت، ورب الشياطين وما أضلت كن لنا جارا من شر خلقك كلهم جميعا أن يفرط علينا أحد منهم أو أن يبغي علينا، عز جارك وجل ثناؤك ولا إله غيرك. اللهم إنا نعوذ بك من شر... (فلان و...) وملئه وجنده وأشياعه من الجن والإنس والشياطين ومن دونهم ومن ورائهم، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم" .
ما أشبه يوم المسلمين بأمسهم، تكالبت عليهم الأعداء الذين استباحوا الحرمات، فلم يكفهم تقتيل الأبرياء في فلسطين والعراق وأفغانستان، وراحوا يدنسون المقدسات، فمن تدنيس القرآن الكريم إلى الإساءة للرسول الكريم إلى الاعتداء على الحرم القدسي أمام مرأى ومسمع حكام المسلمين الذين سارعوا ملبين دعوة محاربة الإسلام باسم الإرهاب.

أفلا يهرع المسلمون وهم في شهر القنوت إلى طرق باب الرحمان العزيز الجبار قانتين سائلين القدير العليم أن يجلي عن المسلمين كابوس الاستكبار، ويقطع دابر الكافرين والمعاندين بما شاء وكيف شاء جل سلطانه، وأن يستمطروا نصره وتأييده، بعد أخذ العدة والزاد: تقوى وتوبة وإصلاح ذات بين وصفاء قلوب وحياء دائما متجددا من الله تعالى.

شارك الموضوع

الزيارات:
الصلاة ... الصلاة

أخي الحبيب:

لقد ذهبت اليوم إلى المسجد، أكثر من مرة -ولله الحمد- وكنت في كل مرة أبحث عنك بين الصفوف بشوق، وأنظر في وجوه المصلين بلهفة علني أجدك بينهم، فرؤيتك في المسجد تزيدني قوة، وعزما ووجودك بين المصلين يطمئن قلبي، ويريح نفسي، حتى صرت أعتبر وجودك في المسجد حقا من حقوقي التي لا يليق بك التقصير فيها ولا ينبغي لك التفريط بها.

شارك الموضوع

الزيارات:
المؤمنون يشفعون

حديث رواه الإمام أحمد في المسند وهو: عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا خلص المؤمنون من النار يوم القيامة وأمنوا، فما من مجادلة أحدكم لصاحبه في الحق يكون له في الدنيا بأشد مجادلة له من المؤمنين لربهم في إخوانهم الذين أدخلوا النار، قال: يقولون: ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا

شارك الموضوع

الزيارات:
الهجرة والمهاجرون

الهجرة والمهاجرون

1- نصوص مضيئة على أحداث الهجرة :
النص الأول : الهجرة إلى الحبشة :
"لما اشتد البلاء من قريش على المستضعفين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسطت بهم عشائرهم ولقوا منهم أذى شديدا، ثم إن رسول الله لما رأى ما يصيب أصحابه من البلاء وأنه لا يقدر على أن يحميهم ويمنعهم مما هم فيه، قال لهم

شارك الموضوع