.



الصفحات

الزيارات:
طلاق الدنيا و الآخرة

عبارةٌ يكثر أن نقرأها في كلام الأكابر مثل الشيخ عبد القادر يتحدث فيها عن طلاق الدنيا والآخرة يجب أن نَقْدُرها قدرها لكيلا يتوهم متوهم أن بالقوم رضي الله عنهم استخفافا بأمر الآخرة.
كيف والله عز وجل خوفنا من عذابها وجمَّل لنا ثوابها ونعيمها! نَفس المؤمن والمحسن تخاف أشد الخوف مما خوف منه الله تعالى، وترجو ما رجّى فيه. نفس العارف تخاف النار وتحب النعيم كأشد ما يكون الخوف والحب، فهو عبد لله. لكن قلبه لا يلتفت إلى الدار دون الجار، لا يحلو له نعيم في الدنيا والآخرة مع مجرّد فكرة أن يحجب عن الله عز وجل. هو في الدنيا والآخرة جسم ونفس وقلب وروح، وسر وخفِيُّ وأخفى، حسب اصطلاح العارفين، ولكل من أكوانه لذتها ونعيمُها وأشواقها دنيا وأخرى. وقد يغلب الحال بعض الصوفية أحيانا فيترجم لسانه عن القلب والروح والسر بما يوهم المقطوع مع نفسه من المحجوبين أن الناطق لا يكترث بشيء مما عظمه الله من عمل الدنيا وقُرَبها وجزاء الآخرة ونعيمها وعقابها، كما قالت رابعة:
لـيس لي في الجنـان والنار رأي أنـــــــا لا أبتغـــــي بحـــبـــــــي بـديـــــــــــــلا
قال الإمام عبد القادر قدس الله روحه: “الدنيا سوق عن قريب ينغلق. أغلقوا أبواب رؤية الخلق وافتحوا أبواب رؤية الحق عز وجل. أغلقوا أبواب الاكتساب والأسباب في حال صفاء القلوب وقرب السر فيما يخصكم لا فيما يعم غيركم من الأهل والأتباع. فليكن الكسب لغيركم، والنفع لغيركم، والتحصيل لغيركم. واطلبوا ما يخصكم من لطيف فضله، وأقعدوا أنفسكم مع الدنيا، وقلوبكم مع الأخرى، وأسراركم مع المولى. إنك تعلم ما نريد”.1
وقال: “الزاهدون يأكلون في الجنة، والعارفون يأكلون عنده وهم في الدنيا. والمحِبون لا يأكلون في الدنيا ولا في الآخرة. طعامُهُم وشرابهم أُنسهم وقربُهم من ربهم عز وجل ونظرهم إليه. باعوا الدنيا بالآخرة، ثم باعوا الآخرة بربهم عز وجل رب الدنيا والآخرة. الصادقون في محبته باعوا الدنيا والآخرة بوجهه، وأرادوه دون غيره. فلما تمَّ البيع والشراء غلب الكرم فرد عليهم الدنيا والآخرة موهبةً، وأمرهم بتناولهما. فأخذوهما بمجرد الأمر، مع الشِّبع، بل مع التخمة والغنى عنهما. فعلوا ذلك موافقة للقدر، وحسن أدب مع القَدر. قبلوا وأخذوا وهم يقولون: “وإنك لتعلم ما نريد”. تعلم أن قد رضينا بك دون غيرك. ورضينا بالجوع والعطش والعُرْي والذل والمهانة، وأن نكون على بابك مطروحين. لـمّا رضوا بذلك، وقرّروا مع نفوسهم الطمأنينة عليه نظر إليهم نظرَ الرحمة، فأعزّهم بعد ذلهم، وأغناهم بعد فقرهم، ومنحهم وقرَّبهم منه دنيا وآخرة. المؤمن يزهد في الدنيا فيزيل الزهدُ وسخ باطنه ودَرَنَه وكَدَرَه. فتأتي الآخرةُ فتسكُن قلبه، ثم تأتي يد الغيرة فتزيلها عن قلبه، وتعلمه أنها حجاب عن قرب الحق عز وجل. فحينئذ يترك الاشتغال بالخلق في الجملة، ويمتثل أوامر الشرع، ويحفظ حدوده المشتركة بينه وبين العوام. تنفتح عينا بصيرته، فيبصر عيوب نفسه وعيوب المخلوقات، فلا يسكن إلا إلى ربه عز وجل، ولا يسمع من غيره، ولا يعقِل عن غيره، ولا يسكُن إلى غير وعده، ولا يخاف من غير وعيده. يترك الشغل بغيره ويشتغل به. فإذا تم هذا فهو فيما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر”…إقرأ المزيد “كتاب الإحسان ج-1 ص-494”.

شارك الموضوع

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق