.



الصفحات

الزيارات:
التشويق إلى البيت العتيق

اعلم أخي المؤمن، يا من تعلق قلبه بالله، واشتاقت روحه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه لا يكتمل بناء إسلامك إلا بحج بيت الله العتيق إذ بني الإسلام كما تعلم على خمس منها حج البيت، وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا .
فإن أقدمت أخي على الحج تكون بذلك امتثلت لأمر الله وأمر نبي الله المصطفى صلى الله عليه وسلم القائل"يا أيها الناس إن الله فرض عليكم الحج" . واستجبت لنداء سيدنا إبراهيم إذ أذن في الناس بالحج. وتكون كذلك وافدا على الله شأنك شأن المجاهد؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"الوفود ثلاثة: الغازي في سبيل اللّه وافد على اللّه، والحاج إلى بيت اللّه وافد على اللّه، والمعتمر وافد على اللّه، ما أهل مهل، ولا كبر مكبر إلا قيل:
أبشر. قال مرداس: بماذا ؟ قال: بالجنة" . فلا يصيبك ظمأ ولا نصب ولا مخمصة ولا تطأ موطئا إلا كتب لك به عمل صالح، فالحج جهاد الكبير والصغير والضعيف والمرأة ، ولم لا وأنت مُقدم على أفضل الأعمال عند الله كما قال حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم"أفضل الأعمال عند اللّه إيمان لا شك فيه، وغزو لا غلول فيه، وحج مبرور" .
والحاج أخي لا يضع قدما ولا يرفعها إلا حط الله عنه بذلك الخطايا ورفع له الدرجات، وما ينفق في ذلك من نفقة إلا أخلفها الله وكانت له "كالنفقة في سبيل الله سبعمائة ضعف"  و"ما سبح الحاج من تسبيحة ولا هلل من تهليلة ولا كبر من تكبيرة إلا بشر بها تبشيرة" ، وأنه "كَانَ مَضْمُونًا عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ إِنْ قَبَضَهُ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ وَإِنْ رَدَّهُ رُدَّ بِغَنِيمَةٍ وَأَجْرٍ" ، وإن "مَاتَ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ لَمْ يَعْرِضْهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَمْ يُحَاسِبْهُ" .
فإن ركب الحاج قاصدا بكة صافحته الملائكة، فإن دخلها دخل خير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله وأطيب بلدة، فإذا واجه الكعبة المشرفة وولج حرم الله زاده الله بذلك تعظيما وتشريفا وكرامة، وكيف لا وقد وطئ أرضا وطئها قبله الصالحون والأنبياء، وإن ثلاثمائة نبي مدفون بين الحجر والركن.
ولم لا وقد وضعها الله لعباده المخطئين ليرضى عنهم، فعن جعفر الصادق رضي الله عنه "أن رجلا سأل والده عن ابتداء البيت فقال: إن الله تعالى قال للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها فغضب عليهم فطافوا بالعرش سبعة أيام يسترضون ربهم فرضي عنهم وقال: "ابنوا لي بيتا في الأرض يتعوذ به من سخطت عليه من بني آدم فأرضى عنه" فبنوا هذا البيت" .
وما من عمل من أعمال الحج إلا للحاج بها مرتبة ومنزلة عند الله، فعن أنس بن مالك، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال"كنت جالسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد الخيف، فأتاه رجل من الأنصار، ورجل من ثقيف، فلما أسلما قالا: جئناك يا رسول الله نسألك" قال: "إن شئتما أخبرتكما بما تسألاني عنه فعلت، وإن شئتما أن أسكت وتسألاني فعلت". قالا: أخبرنا يا رسول الله نزدد إيمانا، أو نزد يقينا، فقال الأنصاري للثقفي: سل، قال: بل أنت فسله، فإني لأعرف لك حقك، فسله، فقال الأنصاري: أخبرنا يا رسول الله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "جئتني تسألني عن مخرجك من بيتك تؤم البيت الحرام، ومالَكَ فيه، وعن طوافك بالبيت، ومالك فيه، وعن ركعتيك بعد الطواف، وما لك فيها، وعن طوافك بالصفا والمروة، وما لك فيهما، وعن وقوفك بعرفة وما لك فيه، وعن رميك الجمار وما لك فيه، وعن نحرك وما لك فيه، وعن حلاقك رأسَك وما لك فيه، وعن طوافك بعد ذلك وما لك فيه". قال: والذي بعثك بالحق، هو هذا جئت أسألك، قال: "فإنك إذا خرجت من بيتك تؤم البيت الحرام، لم تضع ناقتك خفا، ولم ترفعه، إلا كتب الله لك به حسنة، ومحا عنك به خطيئة، ورفع لك بها درجة، وأما ركعتيك بعد الطواف، فإنها كعتق رقبة من بني إسماعيل، وأما طوافك بالصفا، والمروة، فكعتق سبعين رقبة، وأما وقوفك عشية عرفة، فإن الله يهبط إلى السماء الدنيا، فيباهي بكم الملائكة، فيقول: هؤلاء عبادي جاءوني شُعثا غُبرا من كل فج عميق، يرجون رحمتي ومغفرتي، فلو كانت ذنوبكم عدد الرمل، أو كزبد البحر لغفرتها، أفيضوا عبادي مغفورا لكم، ولمن شفعتم له، وأما رميك الجمار، فلك بكل حصاة رميتها كبيرة من الكبائر الموبقات الموجبات، وأما نحرك فمذخور لك عند ربك، وأما حلاقك رأسك فبكل شعرة حلقتها حسنة، ويمحى عنك بها خطيئة". قال: يا رسول الله، فإن كانت الذنوب أقل من ذلك؟ قال: "إذا تدخر لك حسناتك، وأما طوافك بالبيت بعد ذلك، فإنك تطوف ولا ذنب لك، يأتي ملك، حتى يضع يده بين كتفيك، ثم يقول: اعمل لما تستقبل، فقد غفر لك ما مضى"".
وإن "الله تعالى يبعث إلى الكعبة سبعين ألف ملك، بسلاسل من ذهب، يقودونها إلى المحشر، فينادي ملك بالكعبة: يا كعبة الله سيري. فتقول: حتى أعطى سؤالي، فيقول: سلي. فتقول: يا رب شفعني في جيراني الذين دفنوا حولي من المؤمنين. فيقال لها: قد أعطيتك سؤلك. ثم يقال: يا كعبة الله سيري. فتقول: حتى أعطى سؤلي. فيقال: سلي. فتقول: يا رب عبادك المذنبون الذين جاءوني من كل فج عميق، أسألك أن تؤمنهم من الفزع الأكبر. فينادي: ألا من زار الكعبة فليعزل. فيجمعهم الله تعالى حول الكعبة، بيض الوجوه. ثم يقال: يا كعبة الله سيري. فتقول: لبيك اللهم، ثم يجرونها إلى المحشر، فأول من يحشر محمد صلى الله عليه وسلم، فتقول: يا محمد اشتغل بمن لم يزرني وأما من زارني فهو في شفاعتي"
والحاج ثَمََّ في مدرسة الصبر يتدرب فيها على ضبط شهواته وجوارحه، أشد ما يكون الجسم تحملا لمشقات التنقل، وأشد ما تكون النفس حرجا من الغربة والزحمة

ويجمع الحج في مكان وزمان محددين كافة المسلمين من مختلف جهات الشوق، وبقاع الأرض، وألوان الخلق، ودرجات الإيمان، ليشعرهم أولا أنهم في الدنيا عابرو سبيل، يذكرهم لباسُ الإحرام بكفن الموت، ويذكرهم شظف الحياة وشَعَثُ الحالة الجسدية وتعب التنقل والحمْل والحط أن الدنيا دار امتحان وتَعب لا دار استرواح ومتعة.
وليشعرهم ثانيا أن المسلمين أمة واحدة، يَمثُلُون أمام قبلتهم الحسية الواحدة، يذكرون ربهم الواحد، يصلون صلاة واحدة، مطمحهم واحد، بشر به رسول واحِد مؤكِّدا ما بشر به الرسل عليهم جميعا الصلاة والسلام.
وأَعلم يا أخي أنه لا يعدمك الشوق لذاك المقام إذا كنت ممن سبق فحج، وعلم يقينا معنى قول المصطفى صلى الله عليه وسلم "تابعوا بين الحج والعمرة، فإن المتابعة بينهما تنفي الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد" ، وقوله"مَنْ حج لله فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ" . غير أنك أخي الحاج مدعو للعودة كلما استطعت إلى ذلك سبيلا حيث قال الله في الحديث القدسي"إن عبدا أصححت له جسمه ووسعت عليه في المعيشة يمضي خمسة أعوام لا يفد إلي لمحروم" ، ومدعو أيضا للعمرة خاصة في رمضان حيث تعدل حجة.
أما أنت أيها المحروم الذي جمع الله لك صحة البدن ووفرة المال، وتسوف قصد ذلك المقام، وتعتذر بكل الأعذار ولا تحتمل الملام، فلا عليك أن تموت يهوديا أو نصرانيا، إن لم تعجل بالتوبة والأوبة والرجوع.

نسأل الله عز وجل أن يوفقنا لقصد ذلك السبيل وحج ذلك المقام، وزيارة نبي الله المصطفى خير ولد عدنان، اللهم صل عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه وحزبه على الدوام.

شارك الموضوع

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق