من عظيم فضل الله على المسلمين أن وضع لهم شرعة وسن لهم منهاجا، وأكرمهم بكتاب جامع وسنة مبينة، وشرع لهم عبادات ورسم لهم حدودا، وجمع لهم مع ذلك آدابا وأخلاقا مكملة وميسرة، وقد قال صلى الله عليه وسلم:"إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" . وقال حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم"
وإن جمال هذا الدين ليكمن في ما يكمله من تلك الآداب، وما يزين أخلاق المسلم منها، تتكامل بين ما ينفعه في خاصة نفسه، وما يمتد منه إلى سواه من إنسان وحيوان وأشياء. وما يتعلق بالنوم أو الأكل أو السفر والحضر، وما يتعلق بعلاقته بغيره، وما يتعلق بالمجال أو المحيط عامة.
وتكثر في كتب الحديث والسير أبواب الآداب والأخلاق مستمدة من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وأخبار الأنبياء والرسل والصحابة والصالحين من الأمة، يستنير بها المسلم في حياته، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
آداب الطريق
إن مما اعتنى به الإسلام إعطاء الطريق حقه، مرورا أو تسوقا أو جلوسا، فللطريق خطورته على الفرد والجماعة: الصغير والكبير، الشاب والعجوز، الرجل والمرأة، وقد نبه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ذلك عندما حدد آداب الطريق في قوله: "إياكم والجلوس بالطرقات، فقالوا: يا رسول الله، ما لنا من مجالسنا بدٌّ نتحدث فيها، فقال: إذ أبيتم إلا المجلس، فأعطوا الطريق حقه، قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" . ومنها:
- إماطة الأذى عن الطريق.
- غض البصر.
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
- مد يد العون للضرير والعجوز والطفل.
- احترام قوانين تنظيم المرور يندرج في هذا النوع من الآداب لأهميته وضرورته.
آداب الأكل
ما يميز المسلم عن غيره التزامه بآداب الأكل، وانضباطه لتوجيهات الشرع في ذلك، من بسملة وميامنة وتريث لقوله صلى الله عليه وسلم: "يا غلام، سم الله وكل من بيمينك وكل مما يليك" . وعن عَائشة رضي اللَّه عنها قالَتْ: قال رسول اللَّه صلّى الله عليه وسلَّم: "إذا أكل أَحدكم فَليَذْكر اسمَ اللَّه تعالى، فإن نسي أَن يَذْكرَ اسم اللَّه تَعَالَى في أَولهِ، فَليَقُل: بسمِ اللَّه أَوله وَآخرَه" . وعن جابِرٍ، رضي اللَّه عنه قال: سَمِعتُ رسولَ اللَّه يقولُ: "إِذا دخل الرَّجل بيتَه، فَذَكرَ اللَّه تعَالى عِند دخولهِ وعِندَ طَعامهِ، قال الشَّيْطان لأَصحَابهِ: لا مبيت لَكم ولا عشَاءَ، وإذا دخَل، فَلَم يَذكُر اللَّه تَعالى عِنْد دخُولِه، قال الشَّيطَان: أَدْركتم المبيت، وإِذا لَم يَذْكُرِ اللَّه تعَالى عِند طَعامِه قال: أَدْركتم المبيتَ والعَشاء".
مع الاحتراس من إصدار الأصوات عند الأكل تجنبا لإذاية الحاضرين، ومن المحمود الإهداء لمن على المائدة تحببا وتلطفا وتيسيرا.
آداب الحوار
حدد الله تعالى في كتابه العزيز آدابا للحوار بين المسلمين بعضهم مع بعض، وبيهم وبين غيرهم من الذميين أهل الكتاب أو مع المشركين والملحدين، ضمانا لرابطة الأخوة الإنسانية عامة، وتمهيدا لتبليغ الدعوة وتثبيتا لقواعد الحوار البناء المؤثر.
وقد صورت لنا بعض المقاطع الحوارية في القرآن الكريم ما دار بين الأنبياء وبين أقوامهم هذه الآداب في الحوار، حتى ما كان منها أثناء التفكر والتأمل في المخلوقات، كما دعا الله تعالى إلى الحوار بين المسلمين وبين أهل الكتاب: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ .
وإن من شأن التزام آداب الحوار أن يفتح الباب أمام التلاقي النزيه الحر الكفيل بالتقارب بين الآراء والأفكار بين المتخالفين، ولو كانت تستحيل على ذلك، وتغلق الباب أمام التعصب والتجاهل والإقصاء.
ويقوم الحوار على الاحترام والتقدير والتعاون والحجج المقبولة الداعمة والتيسير والرفق.
آداب الجوار
سن رسول الله صلى الله عليه وسلم آدابا رحيمة للجوار، وإن كانت العرب قد التزمتها في علاقاتها، واحترمت كل معاهدة أو صلح أو إجارة قبل الإسلام، وقد نزل بعض الصحابة بعد مضايقتهم إثر إسلامهم في جوار المشركين، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم جارا، وقد أحسن صلى الله عليه وسلم جوار القريب والبعيد، المسلم واليهودي، وأعطانا المثال العظيم على ذلك.
ومن هذه الآداب:
- التعاون على الخير.
- إزالة الأذى وأسبابه من رفع الصوت، والاطلاع على الأسرار، والغيبة والنميمة والسباب.
- حفظ الأعراض ورعايتها: عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الزاني بحليلة جاره لا ينظر الله إليه يوم القيامة، ولا يزكيه، ويقول: ادخل النار مع الداخلين". عن عبد الله بن مسعود قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أي الذنب أكبر؟ قال: "أن تجعل لله ندا، وهو خلقك" ، قال: ثم أي؟ قال: "ثم أن تقتل ولدك من أجل أن يطعم معك" ، قال: ثم أي؟ قال: "ثم أن تزاني بحليلة جارك" .
- العيادة للمريض وتفريج الكرب عن المبتلى.
- إطعام الطعام وبذل المال للمحتاج والساغب.
ولا شك أن مجتمعا هذه أخلاقه لقادر أن يبسط نعم الله الظاهرة والباطنة بين العالمين، ولا سيما في ظل واقع مرير تنكر فيه الناس لكثير من مقومات التعايش والتواصل والبناء والفوز بخيري الدنيا والآخرة.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق